ذو بيان وفصاحة فكيف يعلمه أعجمي (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٠٤) مؤلم (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) القرآن بقولهم هذا من قول بشر (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٠٥) والتأكيد بالتكرار وإن وغيرهما رد لقولهم إنما أنت مفتر (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) على التلفظ بالكفر فتلفظ به (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ومن مبتدأ أو شرطية والخبر أو الجواب لهم وعيد شديد دل على هذا (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) له أي فتحه ووسعه بمعنى طابت به نفسه (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ
____________________________________
العربي متلقيا من العجمي. قوله : (فكيف يعلمه أعجمي) أي لا يصح ولا يليق ذلك لاستحالته عادة.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) أي في علمه ، وقوله : (لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) أي في الخارج. قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) أي في قولهم إنما يعلمه بشر. قوله : (والتأكيد) مبتدأ ، وقوله : (رد) خبر.
قوله : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر ، وذلك أنه من جملة السبعة السابقين للإسلام وهم : عمار وأبوه ياسر وأمه سمية وصهيب وبلال وخباب وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم ، وذلك أن الكفار ، أخذوهم وعذبوهم ليرجعوا عن الإيمان ، فأما سمية أم عمار ، فربطوها بين بعيرين ، وضربها أبو جهل بحربة في فرجها فماتت ، وقتل زوجها ياسر ، وهما أول قتيلين فى الإسلام ، وأما عمار فإنه أعطاهم بعض ما أرادوا بلسانه ، وقلبه كاره لذلك ، فأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن عمارا كفر ، كلا إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ، فأتى عمار وهو يبكي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما وراءك؟ فقال : شر يا رسول الله ، نلت منك وذكرت ، فقال : كيف وجدت قلبك؟ قال : مطمئن بالإيمان ، فجعل النبي يمسح عينيه وقال له : إن عادوا لك فقل لهم ما قلت. وأما بلال فكانوا يعذبونه وهو يقول : أحد أحد ، حتى اشتراه أبو بكر وأعتقه ، وأما خباب فقد أوقدوا له نارا ، فلم يطفئها إلا ودك ظهره. وأما أبو بكر فحفظه الله بقومه وعشيرته. وفيما فعله عمار ، دليل على جواز التلفظ بالكفر عند خوف القتل ، ولكن القتل أجمل ، كما وقع من أبويه ، ولما روي أن مسيلمة أخذ رجلين فقال لأحدهما : ما تقول في محمد؟ قال : رسول الله ، قال : ما تقول فيّ ، قال : أنت أيضا فخلاه. وقال للآخر : ما تقول في محمد؟ قال : رسول الله ، قال : ما تقول فيّ؟ قال : أنا أصم ، فأعاد عليه ثلاثا ، فأعاد جوابه فقتله ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أما الأول فقد أخذ برخصة الله ، وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له. قوله : (على التلفظ بالكفر) أي أو فعله. قوله : (والخبر أو الجواب) الخ ، الأولى تقدير هذا قبل الاستثناء. قوله : (لهم وعيد) الأولى أن يقدره بالفاء ، لأن الجواب إذا وقع جملة اسمية يقرن بالفاء ، والمبتدأ الذي يشبه الشرط ، يقرن خبره بالفاء أيضا لشبهة بالشرط. قوله : (دل على هذا) أي على الجواب أو الخبر.
قوله : (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ) أتى بالاستدراك ، لأنه ربما يتوهم من قوله إلا من أكره ، أنه حين الإكراه يجوز التكلم بالكفر ، ولو انشرح صدره له في بعض الأحيان ، فدفع التوهم بالاستدراك. ولا يبعد الوهم قوله : (مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ، و (مَنْ) إما شرطية أو موصولة ، ويلزم تقدير مبتدأ قبل (مَنْ) ، وما قيل إن الاستدراك لا يقع في الشروط ممنوع. قوله : (بمعنى طابت به نفسه) أي قبله ومال إليه. قوله :