دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) أي قالوا لهم (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) (٨٦) في قولكم إنكم عبدتمونا كما في آية أخرى (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) سيكفرون بعبادتهم (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) أي استسلموا لحكمه (وَضَلَ) غاب (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٨٧) من أن آلهتهم تشفع لهم (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دينه (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) الذي استحقوه بكفرهم ، قال ابن مسعود : عقارب أنيابها كالنخل الطوال (بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) (٨٨) بصدهم الناس عن الإيمان (وَ) اذكر (يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) هو نبيهم (وَجِئْنا بِكَ) يا محمد (شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) أي قومك (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) القرآن (تِبْياناً) بيانا (لِكُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه الناس من أمر الشريعة (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةً وَبُشْرى) بالجنة
____________________________________
قصدوا بذلك توزيع العذاب بينهم. قوله : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) المعنى : فيخلق الله الحياة والعقل والنطق في تلك الأصنام ويقولون : إنكم قد كذبتم في عبادتكم لنا ، فإنكم ما عبدتمونا ، بل عبدتم هواكم ، وإنما كذبوهم وقد كانوا يعبدونهم ، لأن الأوثان لم يكونوا راضين بذلك ، فكأنهم لم يعبدوهم. قوله : (أي استسلموا) أي انقادوا بعد أن كانوا في الدنيا متكبرين ، ولكن هذا الانقياد لا ينفعهم. قوله : (من أن آلهتهم تشفع لهم) أي حيث قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ خبره قوله : (زِدْناهُمْ). قوله : (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي منعوا الناس عن الدخول في الإيمان ، وهذه الآية تعم من يحمل الناس على الكفر ، ولو كان يقول : لا إله إلا الله. قوله : (قال ابن مسعود) أي في تفسير العذاب الزائد. وقال سعيد بن جبير : حيات كالبخت وعقارب أمثال البغال ، تلسع إحداهن اللسعة ، فيجد صاحبها ألمها أربعين خريفا. وقال ابن عباس ومقاتل : يعني بزيادة العذاب خمسة أنهار ، من أصفر مذاب كالنار يسيل من تحت الفرش ، يعذبون بها ثلاثة على مقدار الليل ، واثنان على مقدار النهار ، وقيل إنهم يخرجون من حر النار إلى برد الزمهرير ، فيبادرون من شدة الزمهرير إلى النار مستغيثين بها. قوله : (أنيابها كالنخل الطوال) أي وجسمها بالنسبة لأنيابها ، كجسم أحدنا بالنسبة إلى نابه ، فتكون عظيمة الجثة جدا ، أجارنا الله والمسلمين منها. قوله : (بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) الباء سببية ، وما مصدرية ، أي بسبب كونهم مفسدين. قوله : (يَوْمَ نَبْعَثُ) كرر لزيادة التهديد. قوله : (أي قومك) هذا أحد تفسيرين ، وقيل المراد بهؤلاء الأنبياء ، لاستجماع شرعه لشرائعهم ، وأما كونه شهيدا على أمته ، فقد علم مما تقدم ، فحملها عليه فيه تكرار ، إلا أن يقال : المراد بشهادته على أمته ، تزكيته وتعديله لهم ، حق شهدوا على تبليغ الأنبياء ، وهذا لم يعلم مما مر ، مع أنه الوارد في الحديث.
قوله : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ) أي في الدنيا ، فهو كلام مستأنف. قوله : (تِبْياناً) حال أو مفعول لأجله ، وهو مصدر ، ولم يجىء من المصادر على وزن تفعال بالكسر ، إلا تبيان وتلقاء ، وفي الأسماء كثير ، نحو التمساح والتمثال. قوله : (تِبْياناً) أي بيانا شافيا بليغا ، لأن زيادة البناء ، تدل على زيادة المعنى. قوله : (لِكُلِّ شَيْءٍ) محتاج إليه من أمر الشريعة. إن قلت : إنا نجد كثيرا من أحكام الشريعة ، لم يعلم من