(فِي جَوِّ السَّماءِ) أي الهواء بين السماء والأرض (ما يُمْسِكُهُنَ) عند قبض أجنحتهن وبسطها أن يقعن (إِلَّا اللهُ) بقدرته (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٧٩) هي خلقها بحيث يمكنها الطيران وخلق الجو بحيث يمكن الطيران فيه وإمساكها (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) موضعا تسكنون فيه (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) كالخيام والقباب (تَسْتَخِفُّونَها) للحمل (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) سفركم (وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها) أي الغنم (وَأَوْبارِها) أي الإبل (وَأَشْعارِها) أي المعز (أَثاثاً) متاعا لبيوتكم كبسط وأكسية (وَمَتاعاً) تتمتعون به (إِلى حِينٍ) (٨٠) يبلى فيه (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ) من البيوت والشجر والغمام (ظِلالاً) جمع ظل تقيكم حر الشمس (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) جمع كن وهو ما يستكن فيه كالغار والسرب (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ) قمصا (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) أي والبرد (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) حربكم أي الطعن والضرب فيها كالدروع والجواشن (كَذلِكَ) كما خلق هذه الأشياء (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ) في الدنيا (عَلَيْكُمْ) بخلق ما تحتاجون إليه (لَعَلَّكُمْ) يا أهل مكة (تُسْلِمُونَ) (٨١) توحدونه (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أعرضوا عن الإسلام (فَإِنَّما عَلَيْكَ) يا محمد (الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٨٢) الإبلاغ البين وهذا قبل الأمر
____________________________________
قوله : (أَلَمْ يَرَوْا) أي ينظروا بأبصارهم. قوله : (مُسَخَّراتٍ) هو حال من (الطَّيْرِ). قوله : (فِي جَوِّ السَّماءِ) الجو الفضاء الكائن بين السماء والأرض ، قال كعب الأحبار : إن الطير يرتفع في الجو مسافة اثني عشر ميلا ، ولا يترفع فوق ذلك. قوله : (عند قبض أجنحتهن) هذا يفيد أنها في حال الطيران تقبض أجنحتها ، مع أنه خلاف المشاهد ، فالمناسب أن يقول ما يمسكهن في حال طيرانهن إلا الله ، فإن ثقل أجسادها يقتضي سقوطها ، ولا علاقة فوقها ، ولا شيء تحتها يمسكها. قوله : (مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) أي وذلك في بعض الناس كالسودان ، فإنهم يتخذون خيامهم من الجلود. قوله : (كالخيام) جمع خيمة ، والقباب جمع قبة ، وهي دون الخيمة. قوله : (تَسْتَخِفُّونَها) أي يخف عليكم حملها في رحيلكم وإقامتكم ، فلا يثقل عليكم حملها في الحالين. قوله : (وَمِنْ أَصْوافِها) معطوف على (مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ) ، وقوله : (أَثاثاً) معطوف على (بُيُوتاً) ، ولم يذكر القطن والكتان ، لأنهما لم يكونا ببلاد العرب. قوله : (كبسط) بضم الباء والسين وقد تسكن.
قوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً) أي ما تستظلون به ، وذكر في مقام الامتنان ، لأن بلاد العرب شديدة الحر ، فحاجتهم للظلال ، وما يدفع عنهم شدة الحر وقوته أكثر. قوله : (والغمام) أي السحاب. قوله : (جمع كن) أي غطاء ، والأكنة الأغطية ، ومنه (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) قوله : (أي والبرد) أشار بذلك إلى أن فيه حذف الواو مع ما عطفت ، ويسمى عند أهل المعاني اكتفاء. قوله : (كالدروع) أي دروع الحديد ، قوله : (والجواشن) جمع جوشن وهو الدرع ، فالعطف للتفسير. قوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي داموا على التولي والاعراض. قوله : (وهذا قبل الأمر بالقتال) مراده أن هذه الآية منسوخة ، وفيه أنه لا يظهر إلا لو قدر جواب الشرط ، فلا تقاتلهم مثلا ، وأما لو قدر ، فلا عتب عليك ولا مؤاخذة ، لأنك لا قدرة لك على خلق الإيمان في قلوبهم ، فلا يظهر النسخ ، لأنه لا ينافي الأمر بقتالهم.