شَرابٌ) هو العسل (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) من الأوجاع قيل لبعضها كما دل عليه تنكير شفاء أو لكلها بضميمته إلى غيره أقول وبدونها بنيته وقد أمر به صلىاللهعليهوسلم من استطلق عليه بطنه ، رواه الشيخان (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٦٩) في صنعه تعالى (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) ولم تكونوا شيئا (ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) عند انقضاء آجالكم (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي أخسه من الهرم
____________________________________
قوله : (شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أي ما بين أبيض وأصفر وأحمر ، وغير ذلك من ألوان العسل ، واختلف في سبب اختلاف ألوانه ، فقيل بسبب اختلاف المرعى ، وقيل بسبب اختلاف سن النحل ، فالأبيض لصغيرها ، والأصفر لكهلها ، والأحمر لمسنها ، ورد هذا بأنه لا دليل عليها. قوله : (قيل لبعضها أي الأوجاع ، كالبلغم والبرودة وباقي الأمراض الباردة. قوله : (أو لكلها) أي الأوجاع جميعها ، فالأمراض التي شأنها البرودة هو نافع لها بنفسه ، والأمراض التي شأنها الحرارة ، ينفع فيها مضموما لغيره ، ولذلك تجد غالب المعاجين لا تخلو منه. قوله : (أقول وبدونها بنيته) أي بنية الشفاء الجازمة ، أن الله يخلق الشفاء عند استعماله ، لاخباره تعالى بذلك ، فتحصل أن في قوله تعالى : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) أقوال ثلاثة : قيل شفاء لبعض الأوجاع التي شأنها البرودة ، وقيل شفاء لجميعها ، لكن في الأمراض الباردة يستعمل خالصا ، والحارة يستعمل مشوبا بغيره ، وقيل شفاء لجميعها بالنية في كل ولكل أحد ، ولذا روي عن ابن عمر ، أنه كان لا يشكو قرحة ولا شيئا ، إلا جعل عليها عسلا ، حتى الدمل إذا خرج ، طلى عليه عسلا ، وحكى النقاش عن أبي وجرة ، أنه كان يكتحل بالعسل ، ويتنشق بالعسل ، ويتداوى بالعسل. قوله : (وقد أمر به صلىاللهعليهوسلم) الخ قد اقتصر المفسر الحديث ونصه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اسقه عسلا ، فسقاء ثم جاءه فقال : إني سقيته عسلا ، فلم يزده إلا استطلاقا ، فقال له ثلاث مرات ، ثم جاءه الرابعة فقال : اسقه عسلا ، فقال : سقيته فلم يزده إلا استطلاقا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : صدق الله وكذب بطن أخيك ، فسقاه فبرأ ، ولا عبرة باعتراض الملحدين الذين في قلوبهم مرض على هذا الحديث حيث قالوا : إن الأطباء مجمعون على أن العسل مسهل ، فكيف يوصف لمن به الإسهال ، لأن الإسهال يكون من أنواع كثيرة ، منها الإسهال الحادث من التخم والأخلاط ، وقد أجمع الأطباء على أن علاجه بالمعين على الإسهال ، إذ حبس الطبيعة مضر فهذا الحديث محمول على ذلك ، ولذا نفعه آخرا ، حين نظفت المعدة ، وخلصت من الغش.
قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي دلالة على وحدانية الصانع الحكيم القادر. قوله : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) أي أنشأكم وأوجدكم. قوله : (ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) أي يميتكم. قوله : (وَمِنْكُمْ) الخ ، معطوف على محذوف ، والتقدير فمنكم من يبقى على قوة جسمه وعقله إلى أن يموت ، ومنكم الخ. قوله : (إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي أضعفه ، قال بعض العلماء : عمر الإنسان له أربع مراتب ، أولها : سن النشوء والنماء ، وهو من أول العمر إلى بلوغ ثلاث وثلاثين سنة ، وهو غاية سن الشباب وبلوغ الأشد. ثم المرتبة الثانية : سن الوقوف ، وهو من ثلاث وثلاثين سنة إلى أربعين. وهو غاية القوة وكمال العقل. ثم المرتبة الثالثة : سن الكهولة ، وهي الأربعين إلى ستين سنة ، وفي هذه المرتبة يشرع الإنسان في النقص ، غير أنه يكون خفيا. ثم المرتبة الرابعة : سن الشيخوخة والانحطاط ، من الستين إلى آخر العمر ، وفيه يتبين النقص ، ويكون الهرم