والخرف (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) قال عكرمة : من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بتدبير خلقه (قَدِيرٌ) (٧٠) على ما يريده (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) فمنكم غني وفقير ومالك ومملوك (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا) أي الموالي (بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) أي بجاعلي ما رزقناهم من الأموال وغيرها شركة بينهم وبين مماليكهم (فَهُمْ) أي المماليك والموالي (فِيهِ سَواءٌ) شركاء ، المعنى ليس لهم شركاء من مماليكهم في أموالهم فكيف يجعلون بعض مماليك الله شركاء له (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٧١) يكفرون حيث يجعلون له شركاء (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) فخلق حواء من ضلع آدم وسائر النساء من نطف الرجال والنساء (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) أولاد الأولاد (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من
____________________________________
والخرف ، وقد استعاذ منه صلىاللهعليهوسلم حيث قال : «اللهم إني أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات».
قوله : (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) اللام لام التعليل ، وكي مصدرية ، ولا نافية ، و (شَيْئاً) تنازعه الفعل والمصدر ، فأعمل في الثاني ، وأضمر في الأول وحذف. والمعنى لأجل انتفاء علمه بالأشياء التي كان يعلمها قبل هذه الحالة ، فيرجع إلى مبدئه في عدم المعرفة والعلم ، كالطفل الذي لا يدري شيئا. قوله : (من قرأ القرآن) أي عاملا به ، وكذلك العلماء العاملون ، لا يصيرون بهذه الحالة ، بل كلما ازدادوا في العمر ، ازدادوا في العلم والمعرفة والعقل ، كما هو مشاهد ، ولذا قالوا : أعلى كلام العارفين ، ما صدر منهم في آخر عمرهم ، بل قالوا : الرد لأرذل العمر ، يكون للكفار وللمنهمكين في الشهوات من عوام المؤمنين.
قوله : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) المقصود من ذلك الرد على الكفار ، حيث جعلوا لله شريكا في ألوهيته ، كأنه قال : الله جعل منكم أغنياء وفقراء ، فالأغنياء لا ترضى أن تشرك الفقراء في أوصافهم ، فكيف يجعلون لله شريكا في صفاته ، مع أنه الغني المطلق عما سواه ، وهذا من ثمرات قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ). قوله : (أي الموالي) المراد بهم السادة. قوله : (المعنى ليس لهم شركاء) أشار بذلك إلى أن قوله : (فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) حذف منه أداة الاستفهام ، والتقدير أفهم فيه سواء ، ومعناه النفي ، أي ليسوا مستوين فيه ، أي لا ترضى الأغنياء بتسوية الفقراء معهم في غناهم ، ولا الموالي بتسوية العبيد معهم في سيادتهم ، فكيف يجعلون وصف الألوهية لغيره تعالى. قوله : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف ، وهي داخلة على الفعل. والمعنى أيشركون به فيجحدون نعمته؟ قوله : (يكفرون) أشار بذلك إلى أنه ضمن قوله : (يَجْحَدُونَ) معنى (يكفرون) فعداه بالباء ، وإلا فالجحد يتعدى بنفسه.
قوله : (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي نوعكم وجنسكم. قوله : (فخلق حواء من ضلع آدم) أي الأيسر القصير. قوله : (بَنِينَ) لم يذكر البنات لكراهتهم لهن ، فلم يمتنّ عليهم إلا بما يحبونه. قوله : (أولاد الأولاد) أي وسموا حفدة ، لأنهم يخدمون أجدادهم ، ويسارعون في طاعتهم ، لأن الحافد معناه الخادم.