والزبيب والخل والدبس (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآيَةً) على قدرته تعالى (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٦٧) يتدبرون (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) وحي إلهام (أَنِ) مفسرة أو مصدرية (اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) تأوين إليها (وَمِنَ الشَّجَرِ) بيوتا (وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (٦٨) أي الناس يبنون لك من الأماكن وإلا لم تأو إليها (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي) ادخلي (سُبُلَ رَبِّكِ) طرقه في طلب المرعى (ذُلُلاً) جمع ذلول حال من السبل أي مسخرة لك فلا تعسر عليك وإن توعرت ولا تضلي عن العود منها وإن بعدت وقيل من الضمير في اسلكي أي منقادة لما يراد منك (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها
____________________________________
سورة المائدة وهي مدنية. قوله : (والدبس) هو عسل الرطب ويطلق على عسل العنب. قوله : (المذكور) أي من إخراج اللبن على هذه الكيفية ، واتخاذ السكر والرزق من الثمرات.
قوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) لما ذكر سبحانه وتعالى ، ما يدل على باهر قدرته وعظيم حكمته ، من إخراج اللبن من بين فرث ودم ، وإخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب ، ذكر إخراج العسل الذي جعله شفاء للناس من النحل ، وهي دابة ضعيفة ، لما فيه من العجائب البديعة والأمور الغريبة ، وكل هذا يدل على وحدانية الصانع ، وقدرته وعظمته. قوله : (إِلَى النَّحْلِ) هو اسم جنس جمعي ، يفرق بينه وبين واحده بالتاء ، كنمل ونملة ، وشجر وشجرة ، ويذكر ويؤنث ، فمن التأنيث قوله هنا (أَنِ اتَّخِذِي) وبجوز في غير القرآن تذكيره فيقال أن اتخذ. قوله : (وحي إلهام) أي هداية ورشد ، لا وحي نبوة ، إذ هي مستحيلة على غير المختصين من بني آدم ، فمن أثبتها لغير النوع الإنساني فقد كفر. قوله : (مفسرة) أي لتقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه وهو قوله : (أَوْحى). قوله : (أو مصدرية) أي فهي وما دخلت عليه ، في تأويل مصدر مجرور بالباء ، والتقدير أوحى ربك إلى النحل باتخاذها.
قوله : (مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) أي أماكن و (مِنَ) بمعنى في ، أي اتخذي في الجبال أماكن تأوين إليها الخ. ومن عجيب قدرته تعالى ، أن ألهمها اتخاذ بيوت على شكل مسدس ، من أضلاع متساوية ، لا يزيد بعضها على بعض ، وليس فيه فرج خالية ولا خلل ، وألهمها الله تعالى ، أن تجعل عليها أميرا كبيرا نافذا حكمه فيها وهي تطيعه ، وهذا الأمير أكبرها جثة وأعظمها خلقة ، يسمى يعسوب ، وألهمها سبحانه وتعالى ، أن تجعل على كل باب خلية بوابا ، لا يمكن غير أهلها من الدخول إليها ، وألهمها أن تخرج من بيوتها فتدور وترعى ، ثم ترجع إلى بيوتها ولا تضل عنها. قوله : (وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) أي وفيما (يبنون لك) أي فالنحل تارة تبني بيوتها التي هي من الشمع والماء ، تارة في الجبال ، وتارة في الأشجار ، وذلك في النحل الوحشي ، وتارة تبنيه في الخلايا ، وهذا في النحل الأهلي. قوله : (وإلا لم تأو إليها) أي وإلا بأن لم يلهمها الله اتخاذ البيوت في الأماكن الثلاثة لم تأو إليها ، فيضيع عسلها ولا ينتفع به.
قوله : (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي حلوها مرها ، طيبها ورديئها. قوله : (وإن توعرت) أي صعبت. قوله : (ولا تضلي) معطوف على قوله : (فلا تعسر عليك). قوله : (أي منقادة لما يراد منك) أي ممتثلة ، ولذا يقسم يعسوبها أعمالها بينها ، فالبعض يعمل الشمع ، والبعض يعمل العسل ، والبعض يأتي بالماء ويصبه في البيت ، والبعض يبني البيوت.