رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٤٧) حيث لم يعاجلهم بالعقوبة (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) له ظل كشجر وجبل (يَتَفَيَّؤُا) تتميل (ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) جمع شمال أي عن جانبيهما أول النهار وآخره (سُجَّداً لِلَّهِ) حال أي خاضعين بما يراد منهم (وَهُمْ) أي الظلال (داخِرُونَ) (٤٨) صاغرون ، نزلوا منزلة العقلاء (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) أي نسمة تدب عليها أي يخضع له بما يراد منه ، وغلب في الإتيان بما لا يعقل لكثرته (وَالْمَلائِكَةُ) خصهم بالذكر تفضيلا (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٤٩) يتكبرون من عبادته (يَخافُونَ) أي الملائكة حال من ضمير يستكبرون (رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) حال من هم أي عاليا عليهم بالقهر (وَيَفْعَلُونَ ما
____________________________________
تخوف الرحل منها تامكا قردا |
|
كما تخوف عود التبعة السفن |
فقال عمر : عليكم بديوانكم لا تضلوا ، قالوا : وما ديواننا؟ قال : شعر الجاهلية ، فإن فيه تفسير كتابكم ، ومعاني كلامكم ، والرحل بالحاء المهملة رحل الناقة ، والتامك بالفوقية السنام ، والقرد بفتح القاف وكسر الراء ، هو المرتفع أو المتراكم ، والنبع شجر تتخذ منه القسي ، والسفن بفتحتين وهو المبرد أو القدوم ، والمعنى أن الرحل أثر في سنام تلك الناقة ، فأكله وانتقصه كما ينقص المبرد أو القدوم العود من الشجر.
قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) الهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة على ذلك المحذوف ، والتقدير أعموا ولم يروا ، والاستفهام للتوبيخ. قوله : (له ظل) خرج الملك والجن. قوله : (تتفيّأ) أي تنتقل من جانب إلى آخر ، واختلف في الفيء ، فقيل : هو مطلق الظل قبل الزوال أو بعده ، وهو الموافق لمعنى الآية هنا ، وقيل : الظل ما كان قبل الزوال ، والفيء ما كان بعده ، وقيل غير ذلك. قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) أي يمين المستقبل للقبلة وشماله ، وذلك أن الشمس إذا طلعت من المشرق ، وأنت متوجه إلى القبلة ، كان ظلك عن يمينك ، فإذا ارتفعت واستوت في وسط السماء ، كان ظلك خلفك ، فإذا مالت إلى الغروب ، كان ظلك عن يسارك ، وأفرد اليمين ، وجمع الشمال تفننا. قوله : (أي عن جانبيهما) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله : (حال) أي من قوله : (ظِلالُهُ). قوله : (بما يراد منهم) أي من طول وقصر وتحول من جانب لآخر. قوله : (وَهُمْ داخِرُونَ) الجملة حالية من الضمير في (سُجَّداً). قوله : (نزلوا) أي في جمعهم بالواو والنون كالعقلاء ، وذلك لاتصافها بالطاعة والانقياد لله ، وذلك من وصف العقلاء ، فجمعت بالواو والنون.
قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي طوعا وكرها ، فسجود الملائكة وغير العاقل طوعا فقط ، وسجود الآدميين والجن طوعا من مؤمنهم ، وكرها من كافرهم. قوله : (أي يخضع له) أشار بذلك إلى أن المراد بالسجود معناه اللغوي. قوله : (وَالْمَلائِكَةُ) عطف على ما في قوله : (ما فِي السَّماواتِ). قوله : (تفصيلا) أي تشريفا وتعظيما. قوله : (يتكبرون عن عبادته) أي لا يتركون عبادة ربهم ، ولا يتكبرون عنها. قوله : (حال من هم) صوابه من ربهم بدليل قوله : (عاليا) الخ ، والمعنى يخافون الله حال كونه سبحانه وتعالى مستعليا عليهم وقاهرا لهم ، فالمراد بالفوقية الاستعلاء والقهر لا الجهة ، لأنها