إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) لا ملائكة (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) العلماء بالتوراة والإنجيل (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣) ذلك ، فإنهم يعلمونه وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد صلىاللهعليهوسلم (بِالْبَيِّناتِ) متعلق بمحذوف أي أرسلناهم بالحجج الواضحة (وَالزُّبُرِ) الكتب (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) القرآن (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) فيه من الحلال والحرام (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٤) في ذلك فيعتبرون (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا) المكرات (السَّيِّئاتِ) بالنبي صلىاللهعليهوسلم في دار الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في الأنفال (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) كقارون (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٤٥) أي من جهة لا تخطر ببالهم وقد أهلكوا ببدر ولم يكونوا يقدروا ذلك (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) في أسفارهم للتجارة (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٤٦) بفائتين العذاب (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) تنقص شيئا فشيئا حتى يهلك الجميع حال من الفاعل أو المفعول (فَإِنَ
____________________________________
(أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) سبب نزولها : أن كفار مكة قالوا : ما كان الله أن يرسل رسولا من الرجال ، بل اللائق أن يرسل ملكا. قوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) جواب شرط مقدر دل عليه. قوله : (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) تقديره : إن شككتم في ذلك فاسألوا. قوله : (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أي على سبيل الفرض والتقدير ، وإلا فهم عالمون بذلك ، وإنما كفرهم عناد. قوله : (أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد) أي لأن كفار مكة ، كانوا يعتقدون أن أهل الكتاب عندهم علم الكتب القديمة ، وقد أرسل الله لهم رسلا ، كموسى وعيسى وداود وسليمان وغيرهم ، وكانوا بشرا ، فإذا سألوهم ، فلا بد أن يجيبوا بأن الرسل الذين أرسلوا إليهم كانوا بشرا ، فحينئذ يزول عن قلوبهم الريب والشك. قوله : (متعلق بمحذوف) أي جوابا لسؤال مقدر ، كأنه قال : لم أرسلوا؟ فقيل : أرسلوا بالبينات والزبر ، وهذا أحسن ما قيل هنا. قوله : (القرآن) إنما سمي القرآن ذكرا ، لأنه مشتمل على المواعظ التي بها يتذكر العاقل ، ويتنبه الغافل.
قوله : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) أي ما أجمل من الأحكام ، فبيان المجمل من القرآن ، تكفل به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأحاديثه كالشرح والتفسير للقرآن. قوله : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف ، تقديره أعموا ولم يتفكروا ، فأمن الذين الخ. قوله : (السَّيِّئاتِ) صفة لمقدر محذوف ، قدره المفسر بقوله : (المكرات) بفتح الكاف جمع مكرة بسكونها المرة من المكر. قوله : (أَنْ يَخْسِفَ أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر معمول لأمن ، والتقدير أفأمنوا خسف الله بهم الأرض. قوله : (وقد أهلكوا ببدر) أي أهلك صناديدهم ، وهم الذين اجتمعوا في دار الندوة. قوله : (يقدروا ذلك) أي الهلاك ، أي يعتقدوه ويظنوه ، وهو بدل من يكونوا ، والمبدل من المجزوم مجزوم ، أو حذفت النون تخفيفا ، قوله : (فِي تَقَلُّبِهِمْ) أي حال كونهم منقلبين في أسفارهم. قوله : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) أي يهلكهم في حال خوفهم ، أو المراد بالتخوف التنقص كما قال المفسر من تخوفته إذا انتقصته ، روي أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر : ما تقولون فيها؟ فسكتوا ، فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا التخوف التنقص ، فقال : هل تعرف العرب ذلك في اشعارها؟ قال : نعم ، قال شاعرنا أبو بكر يصف ناقته :