الجزاء (يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) (٣١) (الَّذِينَ) نعت (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) طاهرين من الكفر (يَقُولُونَ) لهم عند الموت (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ويقال لهم في الآخرة (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣٢) (هَلْ) ما (يَنْظُرُونَ) ينتظر الكفار (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ) بالتاء والياء (الْمَلائِكَةُ) لقبض أرواحهم (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) العذاب أو القيامة المشتملة عليه (كَذلِكَ) كما فعل هؤلاء (فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم كذبوا رسلهم فأهلكوا (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بإهلاكهم بغير ذنب (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٣٣) بالكفر (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي جزاؤها (وَحاقَ) نزل (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣٤) أي العذاب (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) من أهل
____________________________________
(الْمُتَّقِينَ) أي الذين اجتنبوا الشرك ، وأل في المتقين للاستغراق. قوله : (نعت) أي للمتقين.
قوله : (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي تقبض أرواحهم. قوله : (طَيِّبِينَ) حال من ضمير (تَتَوَفَّاهُمُ) وحينئذ تبشرهم الملائكة عند قبض أرواحهم ، بالرضوان والجنة والكرامة ، فيحصل لهم عند ذلك السرور والفرح ، فيسهل عليهم قبض أرواحهم ، ويطيب لهم الموت على هذه الحالة ، فلو خير المؤمن ، بين الرجوع إلى الدنيا ، ويعطى جميع ما يشتهي فيها ، وبين الموت ، لاختار الموت ، ولا يرجع إلى الدنيا ، لشهوده حقارة الدنيا ، بالنسبة لما رآه مهيأ له. قوله : (عند الموت) أي لما ورد «إذا أشرف العبد المؤمن على الموت ، جاءه ملك فقال له : السّلام عليك يا ولي الله ، الله يقرأ عليك السّلام ويبشرك بالجنة». قوله : (في الآخرة) هذا أحد قولين ، وقيل إن القول المذكور يكون عند خروج الروح ، ويكون الأمر بالدخول للروح دون الجسم ، ويشهد له قوله تعالى (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) الآية ، بناء على أن هذه المقالة ، تقال للمؤمن عند خروج روحه. قوله : (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الباء سببية ، وما اسم موصول ، والعائد محذوف ، والتقدير بسبب الذي كنتم تعملونه.
قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ) الاستفهام إنكاري بمعنى النفي ، ولذا فسره بما النافية ، والمعنى لا ينتظر الكفار إلا أحد أمرين : إما نزول الموت بهم ، أو حلول العذاب ، وأو مانعة خلو تجوز الجمع. قوله : (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أو القيامة) أو لحكاية الخلاف.
قوله : (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) مرتب على محذوف قدره المفسر بقوله : (كذبوا رسلهم فأهلكوا). قوله : (فَأَصابَهُمْ) معطوف على فعل (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وما بينهما اعتراض. قوله : (أي جزاؤها) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، والأصل. فأصابهم جزاء سيئات ما عملوا قوله : (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي جزاء الذي كانوا به يستهزئون.
قوله : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) الخ ، هذا كلام صحيح في حد ذاته ، لكنهم توصلوا به إلى أمر باطل ، وحاصل ذلك أنهم قالوا : لو شاء الله عدم عبادتنا لغيره لحصل ، لكن وقعت منا العبادة لغيره ، فهي بمشيئته ، فهو راض بها ، واعتقدوا أن الإرادة لازمة للرضا في حقه تعالى ، وهو اعتقاد باطل ، وحاصل الرد عليهم أن يقال : إن الإرادة لا تستلزم الرضا ، بل قد يريد شيئا ولا يرضى به ، لتنزهه عن الأغراض في الاحكام والأفعال ، فلا تقاس أفعال الله على أفعال العباد ، وذلك لأن ما يغضب الله ، لا يصل له منه