مكة (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) من البحائر والسوائب ، فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته فهو راض به ، قال تعالى : (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي كذبوا رسلهم فيما جاؤوا به (فَهَلْ) فما (عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٣٥) الإبلاغ البين وليس عليهم هداية (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) كما بعثناك في هؤلاء (أَنِ) أي بأن (اعْبُدُوا اللهَ) وحدوه (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) الأوثان أن تعبدوها (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ) فآمن (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ) وجبت (عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) في علم الله فلم يؤمن (فَسِيرُوا) يا كفار مكة (فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (٣٦) رسلهم من الهلاك (إِنْ تَحْرِصْ) يا محمد (عَلى هُداهُمْ) وقد أضلهم الله لا تقدر على ذلك (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) بالبناء للفاعل وللمفعول (مَنْ يُضِلُ) من يريد إضلاله (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٣٧) مانعين من عذاب الله (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ
____________________________________
ضرر ، وما يرضيه لا يصل له منه نفع ، بل معنى ذلك ، أنه يعاقب على ما يغضبه ، ويثيب على ما يرضيه ، بخلاف العباد ، فرضاهم لازم لإرادتهم ، لأن ما يرضيهم يحصل لهم به النفع ، فهو واقع منهم بإرادتهم ، وما يغضبهم يحصل لهم به الضرر ، فهو غير واقع بإرادتهم ، والكفار قد سووا بين الخالق والمخلوق ، فقالوا ما قالوا ، والمقصود من هذه الشبهة ، إبطال إرسال الرسل وجعله عبثا ، تعالى الله عن ذلك. قوله : (مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) من الأولى ابتدائية ، والثانية زائدة. قوله : (فهو راض به) هذا هو محط شبهتهم التي رتبوا ما ذكر عليها. قوله : (الإبلاغ البين) أشار بذلك إلى أن البلاغ مصدر بمعنى الإبلاغ.
قوله : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) أي فلا خصوصية لك. قوله : (أي بأن) (اعْبُدُوا) أشار بذلك إلى أن أن مصدرية ، ويصح جعلها تفسيرية ، والضابط موجود لتضمن البعث معنى القول. قوله : (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) أي تباعدوا عن عبادة الطاغوت ، والمراد بالطاغوت ، قيل كل ما يعبد من دون الله ، وقيل الشيطان. قوله : (فلم يؤمن) أفرد باعتبار لفظ من ، وفي نسخة فلم يؤمنوا بالجمع مراعاة للمعنى.
قوله : (فَسِيرُوا) أمر لأهل مكة بالسير ، والنظر في أحوال من تقدمهم. قوله : (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أي مآلهم وآخر أمرهم على أي كيفية. قوله : (رسلهم) قدره إشارة إلى أن قوله : (الْمُكَذِّبِينَ) مفعوله محذوف. قوله : (وقد أضلهم الله) الجملة حالية. قوله : (لا تقدر على ذلك) هذا هو جواب الشرط ، وقوله : (فَإِنَّ اللهَ) الخ ، تعليل للجواب. قوله : (لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) الجملة خبر إن ، والرابط ضمير مقدر في يضل ، تقديره من يضله ، والظاهر أن هذا الرابط هو فاعل يضل العائد على الله ، وأما الضمير المفعول الذي هو الهاء ، فإنه عائد على من ولا ربط فيه. قوله : (بالبناء للفاعل والمفعول) أي فهما قراءتان سبعيتان ، والمعنى أن من أراد الله إضلاله ، فلا تمكن هدايته ، فلا تتعب نفسك في هداه. إن قلت : إن التكليف لمن أراد الله عدم هداه بالهدى تكليف بالمستحيل. أجيب : بأنه لا يسأل عما يفعل. قوله : (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) أي من يريد إضلاله ، لا مانع له من عذاب الله إذا نزل به.
قوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) أي حلفوا به ، وقوله : (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي لأنهم كانوا يحلفون بآبائهم