الشرك (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) بالإيمان (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) حياة طيبة (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) أي الجنة (خَيْرٌ) من الدنيا وما فيها قال تعالى : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) (٣٠) هي (جَنَّاتُ عَدْنٍ) إقامة مبتدأ خبره (يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ)
____________________________________
قوله : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) مقابل قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) والقائل وفود العرب القادمين على مكة للبحث عن حال القرآن وحال محمد ، فكانوا إذا صادفوا المسلمين سألوهم وقالوا لهم (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) ، وإذا صادفوا الكفار سألوهم. وقالوا : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) فكل إناء بالذي فيه ينضح. قوله : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ما ذا) بتمامها اسم استفهام مفعول مقدم لأنزل ، وحينئذ فتكون الجملة فعلية ، وهو أنسب ليطابق الجواب السؤال ، فإن الجواب جملة فعلية أيضا ، لأن (خَيْراً) مفعول بفعل محذوف ، تقديره أنزل خيرا ، بخلاف ما تقدم ، فإن ما اسم استفهام ، وذا اسم موصول ، و (أَنْزَلَ) صلته ، فالجملة اسمية لمطابقة الجواب ، فإنه مرفوع باتفاق السبع ، وما هنا منصوب باتفاق السبع ، والحكمة في رفع الأول ونصب الثاني ، الفرق بين جواب المقر ، حيث طابق بين السؤال والجواب ، فجعلهما من جنس واحد ، وجواب الجاحد حيث عدل عن السؤال فقال : هو أساطير الأولين ، وليس من الإنزال في شيء.
قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) هذا بيان لقوله : (خَيْراً) كأنهم قالوا : أنزل ربنا من أحسن في الدنيا بالطاعة ، فله حسنة في الدنيا ، وحسنة في الآخرة. قوله : (حياة طيبة) أي وهي تختلف باختلاف الاقبال على الله وعدمه ، فكلما زاد العبد في الاقبال على ربه طابت حياته ، فيزداد ترقيا في القرب والمحبة والعلوم والمعارف والمشاهدة ، وغير ذلك من الكرامات التي تحصل له في الدنيا ، وما خفي كان أعظم ، قال تعالى (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).
قوله : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) اللام موطئة لقسم محذوف ، أو للابتداء مؤكدة. قوله : (خَيْرٌ) (من الدنيا وما فيها) أي ولو حصل له في الدنيا ، غاية الرفعة والعز واسم التفضيل على بابه ، إن أعطي العبد النعيم في الجنة ، وليس على بابه إن لم يكن من أهل الجنة ، إذ لا خير في لذة بعدها النار ، بل كل من عظم تنعمه في الدنيا ، ولم يكن مرضيا عليه ، فتنعمه زيادة في عذابه ، قال تعالى : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ). وقال تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ). قوله : (قال تعالى) إنما قال ذلك ، إشارة إلى أن جواب المؤمنين تم بقوله : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) ، وقوله : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) ثناء ومدح من الله لدار الآخرة التي هي خير. قوله : (هي) قدره إشارة إلى أن المخصوص بالمدح محذوف.
قوله : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي إقامة لا يطرأ عليها زوال ولا فناء ، بل هي دائمة بأهلها على سبيل التأييد. قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي من تحت قصورها وغرفها ، قال تعالى : (مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أو المراد بالأنهار المذكورة في قوله تعالى : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) الخ. قوله : (ما يَشاؤُنَ) أي يطلبون مما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. قوله : (كَذلِكَ) الكاف بمعنى مثل ، نعت لمصدر محذوف معمول ليجزي ، والتقدير يجزي الله المتقين جزاء مثل ذلك الجزاء. قوله :