كذكر الرحمن وما عدا القصص (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ) فيما أنزل إليّ (أَنْ) أي بأن (أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ) (٣٦) مرجعي (وَكَذلِكَ) الإنزال (أَنْزَلْناهُ) أي القرآن (حُكْماً عَرَبِيًّا) بلغة العرب تحكم به بين الناس (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) أي الكفار فيما يدعونك إليه من ملتهم فرضا (بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) بالتوحيد (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ) زائدة (وَلِيٍ) ناصر (وَلا واقٍ) (٣٧) من قبلك مانع من عذابه. ونزل لما عيروه بكثرة النساء (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) أولادا وأنت مثلهم (وَما كانَ لِرَسُولٍ) منهم (أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) لأنهم عبيد مربوبون (لِكُلِّ أَجَلٍ) مدة (كِتابٌ) (٣٨) مكتوب فيه تحديده (يَمْحُوا اللهُ) منه
____________________________________
بالنسبة إلى مشركي العرب ؛ وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما كتب لهم كتاب الصلح يوم الحديبية قال فيه : بسم الله الرحمن ، قالوا : وما نعرف الرحمن ، إلا رحمن اليمامة ، يعنون مسيلة الكذاب ، لقول بعضهم مادحا له :
سميت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا |
|
وأنت غير الورى لا زلت رحمانا |
وقد هجاه بعض الصحابة بقوله :
سميت بالخبث يا ابن الأخبثين أبا |
|
وأنت شر الورى لا زلت شيطانا |
قوله : (أَعْبُدَ اللهَ) أي أوحده. قوله : (إِلَيْهِ أَدْعُوا) أي إلى عبادته وشريعته. قوله : (مرجعي) أي في الآخرة. قوله : (وَكَذلِكَ) مثل إنزال الكتب السابقة. قوله : (حُكْماً عَرَبِيًّا) حالان من الضمير في أنزلناه ، والمعنى أنزلناه حاكما بين الناس بلغة العرب ، وأسند الحكم له لأنه ترجمان عن الله ، فطاعته طاعة الله. قوله : (فيما يدعونك إليه من ملتهم) أي كقولهم له اعبد آلهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة ، وكالصلاة إلى بيت المقدس بعد ما حولت عنه. قوله : (فرضا) أي على سبيل الفرض والتقدير ، والمقصود تحذير من يجوز عليه اتباع الهوى ، لأن المعصوم إذا خوطب بمثل ذلك ، وكان المقصود غيره.
قوله : (وَلا واقٍ) أصله واقي ، استثقلت الكسرة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان ، حذفت الياء لالتقائهما. قوله : (لما عيروه بكثرة النساء) أي حيث قالوا : لو كان مرسلا حقا ، لكان مشتغلا بالزهد وترك الدنيا والنساء ، فرد الله تعالى عليهم مقالتهم بقوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) إلخ ، فقد كان لسليمان ثلاثمائة امرأة حرة وسبعمائة سرية ، وكان لأبيه داود مائة امرأة ، ومع ذلك فلم يقدح في نبوتهما ، فكيف يجعلون ذلك قادحا في نبوتك ، واعلم أن القوم كانوا يذكرن أنواعا من الشبهات في إبطال النبوة ، فالشبهة الأولى قولهم : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، وسيأتي ذكره في الفرقان. الثانية قولهم : رسول الله إلى الخلق ، لا بد وأن يكون من جنس الملائكة ، كما قالوا (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) ، وقالوا : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) ، وستأتي أيضا. الثالثة قولهم : لو كان رسولا من عند الله لما اشتغل بالنساء. فأجاب الله بقوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) الآية. الرابعة قولهم : لو كان رسولا من عند الله ، لكان أي شيء طلبناه من المعجزات أتى به. فأجاب تعالى بقوله : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) الآية. الخامسة قولهم : لو كان رسولا ما أوعدنا به من نزول العذاب. فأجاب الله تعالى بقوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) أي لكل حادث وقت معين ، لا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه. السادسة قولهم : لو كان صادقا ، ما نسخ الأحكام