والأسر (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أشد منه (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ) أي من عذابه (مِنْ واقٍ) (٣٤) مانع (مَثَلُ) صفة (الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) مبتدأ خبره محذوف أي فيما نقص عليكم (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها) ما يؤكل فيها (دائِمٌ) لا يفنى (وَظِلُّها) دائم لا تنسخه شمس لعدمها فيها (تِلْكَ) أي الجنة (عُقْبَى) عاقبة (الَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) (٣٥) (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) كعبد الله بن سلام وغيره من مؤمني اليهود (يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) لموافقته ما عندهم (وَمِنَ الْأَحْزابِ) الذين تحزبوا عليك بالمعاداة من المشركين واليهود (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ)
____________________________________
فائدة : قال الطيبي : في هذه الآية احتجاج بليغ مبني على فنون من علم البيان ، أولها : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (كمن ليس كذلك) احتجاج عليهم وتوبيخ لهم على القياس الفاسد لفقد الجهة الجامعة لهما. ثانيها : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) من وضع الظاهر موضع الضمير ، للتنبيه على أنهم جعلوا شركاء لمن هو فرد واحد ، لا يشاركه أحد في اسمه. ثالثها : قوله : (قُلْ سَمُّوهُمْ) أي عينوا أسماءهم ، فقولوا فلان وفلان ، فهو إنكار لوجودها على وجه برهاني كما تقول : إن كان الذي تدعيه موجودا فسمه ، لأن المراد بالاسم العلم. رابعها : قوله : (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ) احتجاج من باب نفي الشيء بنفي لازمه ، وهو المعلوم وهو كناية. خامسها : قوله : (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) احتجاج من باب الاستدراج ، والهمزة للتقرير لبعثهم على التفكر ، المعنى أتقولون بأفواهكم من غير رؤية ، فتفكروا فيه لتقفوا على بطلانه. وسادسها : التدريج في كل من الإضرابات على ألطف وجه ، وحيث كانت الآية مشتملة على هذه الأساليب البديعة مع اختصارها ، كان الاحتجاج المذكور مناديا على نفسه بالإعجاز ، وأنه ليس من كلام البشر ، اه.
قوله : (وَما لَهُمْ) خبر مقدم ، و (واقٍ) مبتدأ مؤخر ، و (مِنَ اللهِ) متعلق به ، أي ليس لهم مانع من عذاب الله إذا جاءهم. قوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) مبتدأ و (الَّتِي) صفته ، و (وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) صلة الموصول والخبر محذوف ، والتقدير كائن فيما نقص عليك كما قال المفسر. قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي من تحت قصورها وغرفها. قوله : (الْأَنْهارُ) فسرت في آية أخرى في قوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) إلخ. قوله : (أُكُلُها دائِمٌ) أي كل شيء يؤكل يتجدد غيره ، فلا تنقطع أنواع مأكولاتها ، فليست كثمار الدنيا تنقطع في بعض الأحيان. قوله : (وَظِلُّها) (دائم) المراد بالظل فيها عدم الشمس ، فلا ينافي أنها نور ، نورها حاصل من نور العرش لأنه سقفها ، ومع ذلك فأنوار أهلها تغلب على ضوء العرش. قوله : (عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي مالهم ومنتهاهم. قوله : (الَّذِينَ اتَّقَوْا) (الشرك) تقدم أن هذا أدنى مراتب التقوى. قوله : (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) أي مآلهم ومنتهاهم.
قوله : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي التوراة والإنجيل ، فأل في الكتاب للجنس. قوله : (من مؤمني اليهود) أي ومؤمني النصارى ، كأهل نجران والحبشة واليمن ، فإنهم كانوا إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ، فاضت أعينهم دموعا ، كما تقدم في المائدة. قوله : (لموافقته ما عندهم) أي في التوراة والإنجيل. قوله : (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) أي فكانوا إذا سمعوا شيئا يوافق هواهم سلموه وأقروا به ، وإذا خالف هواهم أنكروه ، فمثل القصص لا ينكرونها ، ومثل الدعاء إلى التوحيد ينكرونه. قوله : (كذكر الرحمن) أي