فان هذا هو الموافق للوجدان الصحيح ولأجله لا يصح استعمال أحدهما في موضع الآخر.
ويرد على النقطة الثانية : ان لازمها صيرورة جملة من الأسماء حروفاً لمكان ملاك الحرفية فيها وهو لحاظها آلة ومرآة كالتبين المأخوذ غاية لجواز الأكل والشرب في قوله تعالى : «كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ... الآية» فانه قد أخذ مرآة وطريقاً إلى طلوع الفجر ، من دون ان يكون له دخل في حرمة الأكل والشرب وعدمها ، فبذلك يعلم ان كون الكلمة من الحروف لا يدور على لحاظه آلياً.
وبتعبير آخر : إذا كان الملاك في كون المعنى حرفياً تارة واسمياً أخرى هو اللحاظ الآلي والاستقلالي وكان المعنى بحد ذاته لا مستقلا ولا غير مستقل ، فكل ما كان النّظر إليه آلياً فهو معنى حرفي فيلزم محذور صيرورة جملة من الأسماء حروفاً. هذا أولا.
وثانياً ان ما هو المشهور من ان المعنى الحرفي ملحوظ آلة لا أصل له ، وذلك لأنه لا فرق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي في ذلك ، إذ كما ان اللحاظ الاستقلالي والقصد الأولى يتعلقان بالمعنى الاسمي في مرحلة الاستعمال كذلك قد يتعلقان بالمعنى الحرفي فانه هو المقصود بالإفادة في كثير من الموارد ، وذلك كما إذا كان ذات الموضوع والمحمول معلومين عند شخص ولكنه كان جاهلا بخصوصيتهما فسأل عنها فأجيب على طبق سؤاله ، فهو والمجيب انما ينظر ان إلى هذه الخصوصية نظرة استقلالية. ـ مثلا ـ إذا كان مجيء (زيد) معلوماً ولكن كانت كيفية مجيئه مجهولة عند أحد فلم يعلم انه جاء مع غيره أو جاء وحده فسأل عنها ، فقيل انه جاء مع عمرو ، فالمنظور بالاستقلال والملحوظ كذلك في الإفادة والاستفادة في مثل ذلك إنما هو هذه الخصوصية التي هي من المعاني الحرفية دون المفهوم الاسمي فانه معلوم ، بل ان الغالب في موارد الإفادة والاستفادة عند العرف النّظر الاستقلالي والقصد الأولى