بأنّ الله أراد امورا من وراء تلك الصيحة ؛ إذن فتفرّق المسلمين كان خارجا عن أيديهم : سقط في أيدي المسلمين! فكان جبرا لا اختيارا! وهذا صريح في الغاية من النسبة في الخبر.
ثمّ روى الواقدي بسنده عن الأعرج قال : لمّا صاح الشيطان (وليس إبليس) : إنّ محمّدا قد قتل. قال أبو سفيان بن حرب : يا معشر قريش أيّكم قتل محمّدا؟! قال ابن قميئة : أنا قتلته! قال : سنفعل بك كما تفعل الأعاجم بأبطالها : نسوّرك (١).
وفي هذا الخبر يعرّج الأعرج بمفاد الخبر إلى أنّ الصيحة لم تشرّد بالمسلمين فحسب ، بل إنّ أبا سفيان أذعن بمفادها وأخذ يسأل عن القاتل ، فادّعاها حينئذ ابن قميئة ، دون أن يكون هو الصائح الصارخ. ثمّ يتبيّن له كذب ابن قميئة.
ثمّ قال الواقدي : قالوا : ولمّا صاح إبليس (وليس الشيطان مطلقا) : إنّ محمّدا قد قتل .. تفرّقوا في كلّ وجه ، وجعل الناس يمرّون على النبيّ لا يلوي عليه أحد منهم ، ورسول الله يدعوهم في اخراهم ... ووجّه رسول الله إلى الشعب يريد أصحابه فيه (٢).
وهذا قول الواقدي نقلا لمعنى الخبر الأوّل عن رافع بن خديج ، نعم زاد إليه ذيله : وجّه رسول الله إلى الشعب. بعد ما قال : ورسول الله يدعوهم في اخراهم. وكأن الرسول صلىاللهعليهوآله حينما دعاهم وهم لا يلوون عليه ولا أحد منهم! يئس منهم فتبعهم بدل أن يتبعونه! اللهم إلّا أن يكون الكلام اختزالا بدل الاختصار.
__________________
(١) مغازي الواقدي ١ : ٢٣٦. ونسوّرك : أي نلبسك سوارا ـ الصحاح : ٦٩٠ أو نجعلك استوارا أي قائدا.
(٢) مغازي الواقدي ١ : ٢٩٣.