ابن جبير حتى فنيت نبله ، ثم طاعن بالرمح حتى انكسر ، ثمّ كسر جفن سيفه فقاتلهم حتى قتل رضى الله عنه. وكان جعال بن سراقة وأبو بردة بن نيار آخر من انصرف من الجبل بعد أن قتل عبد الله بن جبير ، حتى لحقا بالقوم ، فإنّه ليقاتل مع المسلمين أشدّ القتال إلى جنب أبي بردة بن نيار وخوّات بن جبير (أخي عبد الله ابن جبير) إذ ابتلي يومئذ جعال بن سراقة ببلية عظيمة : إذ تصوّر إبليس بصورته ونادى ثلاث مرّات : إنّ محمّدا قد قتل! هذا وجعال يقاتل مع المسلمين أشدّ القتال! فو الله ما رأينا أسرع من انتقال الدولة للمشركين علينا ، فأقبل المسلمون على جعال بن سراقة يقولون : هذا الذي صاح : إنّ محمّدا قد قتل! وهم يريدون قتله لذلك! حتى شهد له أبو بردة بن نيار وخوّات بن جبير بأنّه حين صاح الصائح كان إلى جنبهما فالصائح غيره (١).
إذن فالمسلمون أقبلوا على جعال بن سراقة يقولون : هذا الذي صاح ، وحتى أنّهم أرادوا قتله لذلك! ولكن إذ شهد له أبو بردة وخوّات بن جبير أنّه ليس هو الذي صاح ، تركوه ، ولكنّهم حيث رأوا الصائح في صورة جعال ، ونفى جعال ذلك ، وشهد له الشاهدان ، وبنوا على قبول الشهادة بالنفي ، قالوا : إذن فالصائح المتصوّر بصورة جعال هو إبليس ، كما في هذا الخبر.
ثمّ روى الواقدي بسنده عن أبي بشير المازني قال : لمّا صاح الشيطان (أزبّ العقبة) : إنّ محمّدا قد قتل ـ لما أراد الله من ذلك؟! ـ سقط في أيدي المسلمين وتفرّقوا في كلّ وجه وأصعدوا في الجبل (٢).
وواضح على هذا الخبر عن المازني أنّه ينسب الصيحة إلى الشيطان (وليس إبليس) رأسا دون القول بتصوّره بصورة جعال ، وعليه يبني فيعلّل ذلك
__________________
(١) مغازي الواقدي ١ : ٢٣٢.
(٢) مغازي الواقدي ١ : ٢٣٥.