علقة الوضعيّة عند ذلك مضيّقة ومختصّة بصورة إرادة تفهيم المعنى لا بنحو الإطلاق ، فلا جرم تختصّ دلالة الوضعيّة بالدلالة التصديقيّة حسب ما يأتي الكلام في بيان ذلك مفصّلا بعون الله الملك المتعال.
فقد ظهر لك وبان عند ذلك بأنّ حقيقة علقة الوضعيّة ليس إلّا التعهّد بإفهام المعنى الذي أبرزه المتكلّم في جهة مقصده من حيث التفهيم والتفهّم بلفظ من الألفاظ الموضوعة لذلك المقصد ، فتمام أفراد البشر من أهل أيّ لسان ومحاورة ولغة لا بدّ من أن يكونوا متعهّدين في أنفسهم ـ متى ما أرادوا أن يبيّنوا تفهيم معنى خاصّ من المعاني التي يحتاجونها في نظام معادهم ومعاشهم ـ أن يختاروا أو يجعلوا كاشفه ومبرزه لفظا مخصوصا ، فمن باب المثال أنّ كلّ واحد من أفراد المحاورة من كلّ لغة كأفراد العرب مثلا ملتزم ومتعهّد بأنّه متى ما قصد تفهيم جسم ثقيل بالطبع أن يجعل مبرزه لفظ «الحجر» ، وهكذا إذا أراد تفهيم جسم سيّال بارد بالطبع أن يجعل مبرزه لفظ «الماء». فيكون الأمر كذلك بالنسبة إلى بقيّة المعاني والألفاظ الاخرى.
وملخّص الكلام : لا يذهب عليك أنّ هذا التعهّد والتبنّي النفساني بإبراز معنى خاصّ بلفظ مخصوص عند تعلّق القصد بتفهيمه ثابت في وجدان وأذهان أهل كلّ لغة عند التوجّه إلى ألفاظها ومعانيها بنحو الفطرة والقوّة ، كما أشارت إليها الآية الشريفة : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(١) وأنّ متعلّقه إنّما يكون أمرا اختياريا ، وهو عبارة عن التكلّم بكلمة مخصوصة عند قصد تفهيم ذاك المعنى الخاصّ.
وبالجملة ، إنّ هذه القوّة بذلك التعهّد إنّما تكون مسلّمة وثابتة لا مطلقا ، بل بين طبيعيّ الألفاظ والمعاني الموضوعة لها على نحو القضيّة الحقيقية بالعنوان الكلّي
__________________
(١) الرحمن : ٤.