للنجاسة ذات المادّة فلا شكّ في بقائه ، فلا بدّ من الحكم بنجاستها. فعلى كلّ من التقديرين لا طريق لنا إلى إثبات الحكم بإثبات الموضوع من ناحية الاستصحاب. وبما أنّ الجهل بالموضوع صار منشأ للشكّ في ثبوت الحكم من حيث الحدوث ، فيكون المرجع هو البراءة على تمام الأقوال دون الاستصحاب.
وبتقرير أوضح : إنّ المعتبر في جريان الاستصحاب بعنوان الأصل والأساس أمران اليقين السابق المتحقّق ، والشكّ اللاحق من حيث البقاء مع اتّحاد المتعلّق فيها. وهذان الركنان غير متحقّقين ، في الشبهات المفهومية ، فإنّ كلا من الاستتار وعدم ذهاب الحمرة متيقّن فلا شكّ ، وإنّما الشكّ في بقاء الحكم وفي وضع اللفظ لمعنى ومفهوم وسيع أو ضيّق ، وقد علمت أنّ الاستصحاب بالنسبة إلى الحكم غير جار ، لعدم إحراز بقاء الموضوع.
وأمّا بالإضافة إلى وضع اللفظ فقد سبق أنّه لا أصل في المقام ليكون هو المعتمد والمرجع في تعيين السعة والضيق ، وكالشمس في الظهور أنّ ما نحن فيه من هذا القبيل طابق النعل بالنعل بعينه ، فإنّ الشبهة فيه مفهومية ، والموضوع له مردّد بين خصوص الأخصّ المتلبّس أو الأعمّ المطلق من المتلبّس والمنقضي عنه المبدأ ، فالاستصحاب سفينة لا تجري في هذه الدجلة ليثبت الحكم ، لعدم إحراز اتّحاد القضية المتيقّنة مع المشكوكة. وقد تكرّر هنا لزوم اعتبار هذا الأمر بأنّ الاتحاد ـ بعنوان الركن الأساسي ـ ممّا لا بدّ منه في جريان الاستصحاب.
فمن باب المثال هيئة (العالم) بما له من المفهوم والمعنى موضوع للحكم ، وحيث إنّه مردّد بين أمرين المتلبّس بالمبدإ والأعمّ ، فالتمسّك باستصحاب بقاء الحكم غير ممكن ، للشكّ في بقاء موضوعه.
وكذلك لا يجري الاستصحاب بالنسبة إلى الموضوع ، لعدم الشكّ في شيء خارجا مع قطع النظر عن وضع المشتقّ وتردّد مفهومه بين الأخصّ والأعمّ ،