المعنى أمر واضح ، كالقطرتين النازلتين في صفحة بحر النفس في آن واحد ، بل قابلية النفس لتعقّل اللحاظات المتباينات تكون أوسع من البحار والأرضين والسماوات.
وقد استدلّ المحقّق صاحب الكفاية قدسسره (١) على امتناع ذلك بوجه آخر وهو : أنّ حقيقة الاستعمال ليس مجرّد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى ، بل جعله وجها وعنوانا له ، بل بوجه نفسه كأنّه الملقى ، ولذا يسري إليه قبحه وحسنه كما لا يخفى. ولا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك إلّا لمعنى واحد ، دون المعنيين أو المعاني ، ضرورة أنّ لحاظه هكذا في إرادة معنى ينافي لحاظه كذلك في إرادة الآخر ، حيث إنّ لحاظه كذلك لا يكاد يكون إلّا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه ، كفناء الوجه في ذي الوجه والعنوان في المعنون ، ومعه كيف يمكن إرادة معنى آخر معه كذلك في استعمال واحد ، مع استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه لذلك في هذا الحال.
والحاصل لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين إلّا أن يكون اللاحظ أحول العينين. فاتّضح لك بذلك التقريب البديهي امتناع استعمال اللفظ مطلقا مفردا كان أو غيره في أكثر من معنى بنحو الحقيقة أو المجاز.
فلا يخفى عليك أنّ ما أفاده قدسسره إنّما يتمّ على ما هو المشهور بين المتأخّرين من أنّ حقيقة الاستعمال ليست مجرّد جعل اللفظ علامة لإراءة تفهيم المعنى ، بل إيجاد للمعنى باللفظ وجعل اللفظ فانيا فيه ووجها وعنوانا له كفناء العنوان في المعنون والوجه في ذي الوجه.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٥٣.