خطور الموارد إلى الذهن من الاستعمال ، وعلمنا بأنّها لم تكن دخيلة ، إذ عند إسقاطها الاستعمال يدلّ على المراد ، فنعلم أنّ هذه الكلمة كانت علامة لإفهام المراد ، لا ما تخيّلناه من تلك القرائن المأخوذة في الكلام في مقام الاستعمال. فبذلك التفحّص نتحصّل الوثوق بأنّ اطّراد الاستعمال كان هو العلامة التامّة لكشف الحقيقة دون تلك القرائن الحاليّة والمقاليّة المحتملة المتقدّمة ؛ إذ بإسقاطها واطراد الاستعمال كشفنا الغطاء عن وجه الحقيقة في قبال المجاز ، ثمّ بعد إسقاط جميع المحتملات استظهرنا المراد من ذات اللفظ ، إذ باستعماله في ذلك المعنى ودلالته عليه يتحصّل الوثوق والاطمئنان للمستعلم في اللغات الأجنبيّة بأنّ هذا اللفظ المستعمل في ذلك المعنى الفلاني وضع له بعنوان الحقيقة في تلك اللغة.
ونظير ذلك الاستعمال ما إذا قال المولى لعبده : جئني بالماء البارد ، وجاء العبد له بالماء البارد ، واحتمل المستعلم بأنّ كلمة البارد دلّت على ذلك المعنى ، وفي استعمال آخر تخيّل أنّ كلمة (جئني) دلّت على الماء ، وفي الثالث قال له : اشتر لي الماء ، واحتمل أنّ كلمة (اشتر) كانت دخيلة في تلك الدلالة ، وبعد أن وقف على الدلالة المجرّدة في ذات تلك الكلمة العارية عن جميع تلك القرائن مع اطّراد الاستعمال في تلك الموارد المتقدّمة يستكشف أنّ الدالّ والعلامة على الحقيقة في جميع تلك التطوّرات من الاستعمال كان منحصرا في لفظ «الماء» المأخوذ في كلام المستعمل في تلك المحاورة.
ولأجل ذلك عبّر عن الاطراد شيخنا المحقّق قدسسره بتعبير آخر في قوله في مورد هاتين العلامتين : الاطّراد وعدمه ما إذا اطلق لفظ باعتبار معنى كلّي على فرد يقطع بعدم كونه من حيث المصداقيّة من المعاني الحقيقية ، لكنّه يشكّ في أنّ ذلك المعنى الكلّي كذلك أم لا ؟ فإذا وجد صحّة الإطلاق مطّردا باعتبار ذلك الكلّي