الوجود خارجا.
وبالجملة ، وقد انتهى كلامنا إلى بيان أنّ صحّة الحمل وعدم صحّة الحمل على الترتيب هل يكون الأوّل من علائم الحقيقة ، والثاني من علائم المجاز ، أو أنّ شيئا منهما لا يصلح لأن يكون علامة للحقيقة أو المجاز ؟ والحقّ عدم كون شيء منهما علامة للحقيقة والمجاز ، وذلك من جهة أنّ ملاك صحّة الحمل كما تقدّم مطلقا سواء كان حملا أوّليا ذاتيا أم كان حملا شائعا صناعيا هو الاتّحاد من جهة لئلّا يلزم حمل المباين على مباين آخر ، والمغايرة من جهة اخرى حتّى لا يلزم حمل الشيء على نفسه.
ولا يخفى عليك أنّ المغايرة قد تكون بالاعتبار ، والمراد منه الاعتبار الموافق للواقع ، لا مجرّد الفرض كما في حمل الحدّ على المحدود ، فإنّهما متّحدان بالذات والحقيقة ومختلفان باللحاظ والاعتبار ، أعني به الاختلاف من جهة الإجمال والتفصيل والجمع والتفريق حسب ما تقدّم آنفا ، فالمفهوم من إطلاق لفظ الإنسان ومن جملة «الحيوان الناطق» حقيقة واحدة ، وهذه الحقيقة الواحدة المركّبة ممّا به الاشتراك وما به الافتراق والامتياز ملحوظة في الإنسان بنحو الوحدة والجمع ، وفي الحيوان الناطق بنحو الكثرة والتفريق والتحليل.
فجهة الوحدة في الإنسان كجهة الكثرة في الحيوان الناطق تحليل واعتبار موافق للواقع ونفس الأمر ؛ ضرورة أنّ هذه الحقيقة الواحدة بتلك الجهة غير تلك الحقيقة بالجهة الاخرى ، وقد ذكرنا سابقا كرارا أنّه يمكن لحاظ شيء واحد مرّة بنحو الوحدة واخرى بنحو الكثرة ، وقد مثّلنا لذلك آنفا بمفهوم الدار ، فإنّه مركّب من حيطان وساحة وصحن وغرف ، وهذا المفهوم ملحوظ بنحو الجمع المندمج والمبهم والإجمال في لفظ الدار ، وبنحو التحليل والتفريق والتشريح في كلمات الحيطان والصحن والساحة والغرف.