صفة كمال في المخلوقات ، فخالقها أحق بالاتصاف بها ، على وجه لا يشاركه فيها أحد. وكلّ نقص في المخلوق ، ينزه عنه ، فتنزيه الخالق عنه ، من باب أولى وأحرى. (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي : له العزة الكاملة ، والحكمة الواسعة. فبعزته أوجد المخلوقات ، وأظهر المأمورات. وبحكمته ، أتقن ما صنعه ، وأحسن فيها ما شرعه.
[٢٨] هذا مثل ضربه الله ، لقبح الشرك وتهجينه ، مثلا من أنفسكم ، لا يحتاج إلى حل وترحال ، وإعمال الجمال. (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) أي : هل أجد من عبيدكم وإمائكم الأرقاء ، يشارككم في رزقكم ، وترون أنكم وهم فيه على حد سواء ، (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي : كالأحرار الشركاء في الحقيقة ، الذي يخاف من قسمه ، واختصاص كلّ شيء بماله؟ ليس الأمر كذلك ، فإنه ليس أحد مما ملكت أيمانكم ، شريكا لكم فيما رزقكم الله تعالى. هذا ، ولستم الّذين خلقتموهم ورزقتموهم ، وهم أيضا ، مماليك مثلكم ، فكيف ترضون أن تجعلوا لله شريكا من خلقه ، وتجعلونه بمنزلته ، وعديلا له في العبادة ، وأنتم لا ترضون مساواة مماليككم لكم؟ وهذا من أعجب الأشياء ، ومن أدل شيء على سفه من اتخذ شريكا مع الله ، وأن ما اتخذه باطل مضمحل ، ليس مساويا لله ، ولا له من العبادة شيء. (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) بتوضيحها بأمثلتها (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) الحقائق ويعرفون. وأما من لا يعقل ، فلو فصّلت له الآيات ، وبيّنت له البينات ، لم يكن له عقل يبصر به ما تبين ، ولا لبّ يعقل به ما توضح. فأهل العقول والألباب ، هم الّذين يساق إليهم الكلام ، ويوجه الخطاب. وإذا علم من هذا المثال ، أن من اتخذ من دون الله شريكا ، يعبده ويتوكل عليه في أموره ، ليس معه من الحقّ شيء ، فما الذي أوجب لهم الإقدام ، على أمر باطل ، توضح بطلانه ، وظهر برهانه؟ لقد أوجب لهم ذلك ، اتباع الهوى ، فلهذا قال :
[٢٩] (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) هويت أنفسهم الناقصة ، الّتي ظهر من نقصها ، ما تعلق به هواها ، أمرا يجزم العقل بفساده ، والفطر برده ، بغير علم دلهم عليه ، ولا برهان قادهم إليه. (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي : لا تعجبوا من عدم هدايتهم ، فإن الله تعالى أضلهم بظلمهم ، ولا طريق لهداية من أضل الله ؛ لأنه ليس أحد معارضا لله ، أو منازعا له في ملكه. (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ينصرونهم حين تحق عليهم كلمة العذاب ، وتنقطع بهم الوصل والأسباب.
[٣٠] يأمر تعالى بالإخلاص له في جميع الأحوال ، وإقامة دينه فقال : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) أي : أنصبه ووجهه (لِلدِّينِ) الذي هو الإسلام والإيمان ، والإحسان ، بأن تتوجه بقلبك ، وقصدك ، وبدنك إلى إقامة شرائع الدين الظاهرة ، كالصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ونحوها. وشرائعه الباطنة ، كالمحبة ، والخوف ، والرجاء ، والإنابة. والإحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة ، بأن تعبد الله فيها كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك. وخص الله إقامة الوجه ، لأن إقبال الوجه ، تبع لإقبال القلب ، ويترتب على الأمرين ، سعي البدن ، ولهذا قال : (حَنِيفاً) أي : مقبلا على الله في ذلك ، معرضا عمّا سواه. وهذا الأمر الذي أمرناك به ، هو (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها)