ريبا إلى ريبهم ، ونفاقا إلى نفاقهم. (وَاللهُ عَلِيمٌ) بجميع الأشياء ، ظاهرها وباطنها ، خفيها وجليها ، وبما أسره العباد ، وأعلنوه. (حَكِيمٌ) لا يفعل ، ولا يخلق ، ولا يأمر ، ولا ينهى ، إلا ما اقتضته الحكمة وأمر به ، فلله الحمد. وفي هذه الآيات عدّة فوائد : منها : أن اتخاذ المسجد الذي يقصد به الضرار لمسجد آخر بقربه ، أنه محرم ، وأنه يجب هدم مسجد الضرار ، الذي اطلع على مقصود أصحابه. منها : أن العمل وإن كان فاضلا تغيره النية ، فينقلب منهيا عنه ، كما قلبت نية أصحاب مسجد الضرار عملهم إلى ما ترى. ومنها : أن كل حالة يحصل بها التفريق بين المؤمنين ، فإنها من المعاصي التي يتعين تركها وإزالتها. كما أن كل حالة يحصل بها جمع المؤمنين وائتلافهم ، يتعين اتباعها ، والأمر بها ، والحث عليها ، لأن الله علل اتخاذهم لمسجد الضرار ، بهذا المقصد الموجب للنهي عنه ، كما يوجب ذلك الكفر والمحاربة لله ورسوله. ومنها : النهي عن الصلاة في أماكن المعصية ، والبعد عنها ، وعن قربها. ومنها : أن المعصية تؤثر في البقاع ، كما أثرت معصية المنافقين في مسجد الضرار ، ونهي عن القيام فيه. وكذلك الطاعة تؤثر في الأماكن كما أثرت في مسجد «قباء» حتى قال الله فيه : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ). ولهذا كان لمسجد قباء من الفضل ما ليس لغيره حتى كان صلىاللهعليهوسلم يزور قباء كل سبت ، يصلي فيه ، وحث على الصلاة فيه. ومنها : أنه يستفاد من هذه التعاليل المذكورة في الآية ، أربع قواعد مهمة ، وهي : كل عمل فيه مضارة لمسلم ، أو فيه معصية لله ، فإن المعاصي من فروع الكفر ، أو فيه تفريق بين المؤمنين ، أو فيه معاونة لمن عادى الله ورسوله ، فإنه محرم ممنوع منه ، وعكسه بعكسه. ومنها : أنه إذا كان مسجد قباء مسجدا أسس على التقوى ، فمسجد النبي صلىاللهعليهوسلم الذي أسسه بيده المباركة ، وعمل فيه ، واختاره الله له ، من باب أولى وأحرى. ومنها : أن العمل المبني على الإخلاص والمتابعة ، هو العمل المؤسس على التقوى ، الموصل لعامله إلى جنات النعيم. والعمل المبني على سوء القصد ، وعلى البدع والضلال ، هو العمل المؤسس على شفا جرف هار ، فانهار به في نار جهنم ، والله لا يهدي القوم الظالمين.
[١١١] يخبر تعالى خبرا صدقا ، ويعد وعدا حقا بمبايعة عظيمة ، ومعاوضة جسيمة ، وهو أنه (اشْتَرى) بنفسه الكريمة (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) فهي المثمن والسلعة المبيعة. (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) التي فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين من أنواع اللذات ، والأفراح ، والمسرات ، والحور الحسان ، والمنازل الأنيقات. وصفة العقد والمبايعة ، بأن يبذلوا لله نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه ، لإعلاء كلمته ، وإظهار دينه (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) ، فهذا العقد والمبايعة ، قد صدرت من الله مؤكدة بأنواع التأكيدات. (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) التي هي أشرف الكتب ، التي طرقت العالم ، وأعلاها ، وأكملها ، وجاء بها أكمل الرسل ، أولو العزم ، وكلها اتفقت على هذا الوعد الصادق. (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا) أيها المؤمنون القائمون بما وعدكم الله ، (بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) أي : لتعزموا بذلك ، وليبشر بعضكم بعضا ، ويحث بعضكم بعضا. (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي لا فوز أكبر منه ، ولا أجل ، لأنه يتضمن السعادة الأبدية ، والنعيم المقيم ،