عنهم الشرور ، وأوصل إليهم بها كل خير. (وَرِضْوانٍ) منه تعالى عليهم ، الذي هو أكبر نعيم الجنة وأجلّه ، فيحل عليهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم أبدا. (وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ) من كل ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، مما لا يعلم وصفه ومقداره ، إلا الله تعالى ، الذي منه أن الله أعد للمجاهدين في سبيله ، مئة درجة ، ما بين كل درجتين ، كما بين السماء والأرض ، ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم. (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) لا ينتقلون عنها ، ولا يبغون عنها حولا ، (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لا تستغرب كثرته على فضل الله ، ولا يتعجب من عظمه وحسنه ، على من يقول للشيء كن فيكون.
[٢٣ ـ ٢٤] يقول تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) اعملوا بمقتضى الإيمان ، بأن توالوا من قام به ، وتعادوا من لم يقم به. و (لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ) الّذين هم أقرب الناس إليكم ، وغيرهم من باب أولى وأحرى ، فلا تتخذوهم (أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا) أي : اختاروا على وجه الرضا والمحبة (الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ). (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لأنهم تجرأوا على معاصي الله ، واتخذوا أعداء الله أولياء ، وأصل الولاية : المحبة والنصرة. وذلك أن اتخاذهم أولياء ، موجب لتقديم طاعتهم على طاعة الله ، ومحبتهم على محبة الله ورسوله. ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك ، هو أن محبة الله ورسوله ، يتعين تقديمها على محبة كل شيء ، وجعل جميع الأشياء تابعة لهما فقال : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ) ومثلهم الأمهات (وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ) في النسب والعشيرة (وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ) أي : قراباتكم عموما (وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها) أي : اكتسبتموها ، وتعبتم في تحصيلها. خصها بالذكر ، لأنها أرغب عند أهلها ، وصاحبها أشد حرصا عليها ، ممن تأتيه الأموال من غير تعب ولا كدّ. (وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها) أي : رخصها ونقصها ، وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات ، من الأثمان ، والأواني ، والأسلحة ، والأمتعة ، والحبوب ، والحروث ، والأنعام ، وغير ذلك. (وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها) من حسنها وزخرفتها ، وموافقتها لأهوائكم ، فإن كانت هذه الأشياء (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ) فأنتم فسقة ظلمة. (فَتَرَبَّصُوا) أي : انتظروا ما يحل بكم من العقاب (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) الذي لا مرد له. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي : الخارجين عن طاعة الله ، المقدّمين على محبة الله ، شيئا من المذكورات. وهذه الآية الكريمة ، أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله ، وعلى تقديمها على محبة كل شيء ، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد ، على من كان شيء من المذكورات أحب إليه من الله ورسوله ، وجهاد في سبيله. وعلامة ذلك أنه إذا عرض عليه أمران ، أحدهما يحبه الله ورسوله ، وليس لنفسه فيها هوى ، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه ، ولكنه يفوّت عليه محبوبا لله ورسوله ، أو ينقصه ، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه ، على ما يحبه الله ، دل على أنه ظالم ، تارك لما يجب عليه.
[٢٥] يمتن تعالى ، على عباده المؤمنين ، بنصره إياهم في مواطن كثيرة من مواطن اللقاء ، ومواضع الحروب والهيجاء ، حتى في يوم «حنين» الذي اشتدت عليهم فيه الأزمة ، ورأوا من التخاذل والفرار ، ما ضاقت عليهم به