الثاني من أنا لا نرى استحالة اجتماع المثلين في باب جعل الأحكام وتشريعها ، والذي يستحيل من اجتماع المثلين هو اجتماعهما في باب الملاكات للأحكام الشرعية دون الأحكام الشرعية نفسها ، هذا تمام الكلام في الصورة الثالثة.
وأما الصورة الرابعة وهي ما اذا كان القطع بحكم مأخوذا في موضوع شخص ذلك الحكم ، فالمعروف بين المحققين استحالته ، وهو على ما ذكروه يتصور على نحوين : تارة يكون القطع بحكم شرطا لشخص ذلك الحكم ، وأخرى يكون مانعا عنه ، فحكموا بالاستحالة في كلا الموردين ، ولذا وقعوا في عدة محاذير :
منها : الاشكال الذي يرد على كلام الشيخ الأعظم الانصاري (قدسسره) ، وذلك أن الاخباريين ذهبوا إلى عدم حجية القطع الحاصل من غير طريق الكتاب والسنة.
فأشكل عليهم بان الحجية من ذاتيات القطع ، فلا يمكن القول بعدم حجيته.
وذكر الشيخ الاعظم الانصاري (قدسسره) توجيها لهذا الكلام ان المراد من ذلك ان الحكم الناشئ من القطع الحاصل من غير الكتاب والسنة يكون ملغى ، فالقطع الحاصل من غيرهما يكون مانعا عن الحكم (١). والمحققون حيث ذهبوا الي الاستحالة في موارد الشرطية المانعية وقعوا في محذور الاشكال على كلام الشيخ الاعظم الانصاري (قدسسره) ، إذ انه لا يمكن ان يكون القطع بحكم مانعا عن ذلك بناء على ما ذكروه ، فلا بد من بيان الدليل الدال على استحالة اخذ القطع بحكم شرطا في نفس ذلك الحكم لنرى هل يجري فيما اذا اخذ القطع بحكم مانعاً عن نفس ذلك الحكم كما ذكروه ، أو لا يجري على ما هو الصحيح ، فيكون كلام الشيخ الاعظم الانصاري (قدسسره) تاما ولا يرد عليه الاشكال.
فالكلام يقع في مقامين ؛ الأول : ان يكون القطع بحكم مأخوذاً شرطاً في ذلك الحكم ، والثاني : ان يكون القطع به مانعاً عنه.
__________________
(١) الرسائل ، ص ١٠.