ألم يكن أكثر تعقلا ، وإنسانية ، لكي تلقن تلميذك أوليات الحياة الأخلاقية ، أن تبدأ بوضع نفسك مكانه ، وتنظر من الزّاوية الّتي ينظر منها؟ وأن تحاول أن تعطيه بدل ما تريد أن تسحبه منه ، وأن تريه أنّ طريق الواجب هي في الوقت نفسه طريق الذكاء ، والذوق الحسن ، طريق الأمن ، والمجد؟ .. إنّه كلما عرف بطريقة أفضل فائدة الإستقامة ، شيئا فشيئا ، وكلّما استبدل بفورة العاطفة اتزان العقل ، فلسوف يتسنى له أن يتذوق حلاوة الخير ، وسحر الفضيلة ، وعظمة البطولة.
ولسوف تتخلق بالتدريج في نفسه مواءمة مع الخير ، نوع من الّتماثل بين إرادته ، والقاعدة الأخلاقية. وربما استطاع عند بلوغ هذا الحد أن ينفصل تماما عن كلّ مؤثر أجنبي ، كيما يستسلم استسلاما كاملا للواجب من أجل الواجب ، دون أن تقلقه عواطفه الذاتية ، أو يؤثر عليه ما قد تدخره له تصاريف الطّبيعة من نجاح ، أو إخفاق. لقد اضطر إلى الإعتراف بهذه الطّريقة في تصور التّربية الأخلاقية أعظم الفلاسفة الغربيين تشددا بين المحدثين منهم ، ونعني به «كانت» ، فكتب يقول : «لقد يكون من المفيد أن نربط هذا التّوقع لحياة سعيدة ورغدة بذلك الدّافع العلوي : (أن يحترم المرء القانون ، وأن يحترم ذاته) ... ولكن ذلك فقط لموازنة المغريات الّتي لا تفتأ الحياة تخادعنا بها على الجانب الآخر ، لا من أجل أن نضع فيه القدرة المحركة بالمعنى الصّحيح ...» ... (١)
ونقرأ بعد ذلك في نفس الكتاب : «بيد أنّ هذا الفصل لمبدأ السّعادة عن مبدأ
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Kant.Crit.de la R.prats p.٣٩