خارج عن المسألة الّتي تشغلنا الآن ، أعني أنّه على الرّغم من كلّ شيء ، فإنّ أمر الطّبيعة ، مستقلا عن نوايانا ، يختلط غالبا بقضايانا الأخلاقية ، شئنا أو لم نشأ ، وهو يقاومها ، ويستخرج منها نتائج ، لا تفتأ تمس أعماقنا قليلا أو كثيرا.
وتلكم هي الحقيقة الفعلية الّتي حرص القرآن على إبرازها بالأمثلة العديدة الّتي ذكرناها آنفا ، وكما يروى عن ابن عباس رضى الله عنه ، أنّه قال : (إنّ للحسنة لنورا في القلب ، وضياء في الوجه ، وسعة في الرّزق ، وقوة في البدن ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإنّ للسيئة لسوادا في الوجه ، وظلمة في القلب ، ووهنا في البدن ، ونقصا في الرّزق ، وبغضا في قلوب الخلق) (١).
النّتائج غير الطّبيعية (أو الجزاء الإلهي)
بيد أنّ الجزاءات الطّبيعية ليست شاملة وعامة ، وليس بلازم أن نذهب إلى حدّ القول دون تحفظ مع فيكتور كوزان [Victor cousin] بأنّ : «الفضيلة ، والسّعادة من جانب ، والشّقاء ، والرّذيلة من جانب آخر ، على توافق ضروري ، لا في نظر الضّمير فحسب ، بل على مسرح الحياة ، والتّأريخ ، فليس هناك عمل ، أو فكرة ، أو رغبة ، أو شعور مرذول ، إلّا وينال عقابه ، آجلا ، أو عاجلا ، وبطريقة مباشرة على الدّوام تقريبا ، وبمعياره الدّقيق ، والعكس صحيح في كلّ عمل ، أو فكرة ، أو قرار ، أو شعور فاضل ، فكلّ تضحية تستتبع مكافأتها» (٢) ، كما أننا لا نريد أن نذهب مع تيودور جوفروي [Th.Jouffroy] في قوله : «عند ما نبتعد ـ متذرعين بحريتنا ـ عن السّعي إلى غايتنا الحقة فإننا لا نفتأ نرد إليها بفضل العقوبات الّتي
__________________
(١) انظر ، منهاج السّنّة لابن تيمية : ١ / ٢٦٩ ، حلية الأولياء : ٧ / ٣٣٠ ، تفسير ابن كثير : ٤ / ٢١٩.
(٢) انظر ، ١ ـ V. Cousin, introd. al\'hist. de la philo. ٩ elecon