كهذا ، مع ملاحظة صفته القهرية؟ .. تعالى الله عن ظلم كهذا.
ومن ثمّ نجد أنّ القرآن ، حينما أنطق المؤمنين بهذا الدّعاء : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا) (١) ـ لم يلبث النّبي صلىاللهعليهوسلم أن أضاف إليه هذا التّعليق المطمئن : «قال ـ الله ـ قد فعلت» (٢).
جـ ـ العنصر الجوهري في العمل.
لقد تحدثنا حتّى الآن عن العلاقة الّتي تربط الفرد المسئول بالقانون ، وقد رأينا أنّ المسئولية لا يمكن أن تثبت ، أو تسوغ في نظر القرآن إلّا بشرط أن تذيع شريعة الواجب ، ويعرفها كلّ ذي علاقة بها ، وأن تكون حاضرة في عقله لحظة العمل.
ولكنا ، فضلا عن علاقتنا بالشريعة ، لنا علاقة أخرى بالعمل ، فالأولى «علاقة معرفة» ، وهذه «علاقة إرادة». والضّمير الكلي للفرد الأخلاقي يحتوي هذه العلاقة المزدوجة في آن ، ومثله كمثل الفنان الّذي يرسم لوحته ، وهو ينظر إلى الّنموذج ، سواء في مطابقته له ، أو في إستقلاله عن قواعده. وعليه ، فإنّ المحكمة الّتي تهتم بأن تنسب أعمالا إلى أشخاص لا تستطيع أن تصدر في هذا حكما عادلا دون أن تلاحظ الطّريقة الّتي تقع بها أعمالنا ، وعلاقتها بشخصنا.
فالعمل اللاإرادي يجب أن يستبعد ـ بادىء ذي بدء ـ من مجال المسئولية ،
__________________
(١) البقرة : ٢٨٦.
(٢) انظر ، صحيح مسلم : ١ / ١١٦ ح ١٢٦ ، المسند المستخرج على صحيح مسلم : ١ / ١٩٥ ح ٣٢٧ ، تفسير القرطبي : ٣ / ٤٢١ ، تفسير الطّبري : ٣ / ١٤٤ ، تفسير ابن كثير : ٣ / ٤٦٨ ، صحيح ابن حبان : ١١ / ٤٥٨ ح ٥٠٦٩ ، مسند أبي عوانة : ١ / ٧٥ ح ٢١٩ ، سنن التّرمذي : ٥ / ٢٢١ ح ٢٩٩٣ ، السّنن الكبرى : ٦ / ٢٠٧ ح ١١٠٥٩ ، شعب الإيمان : ٢ / ٤٦٢ ح ٢٤٠٧ ، حلية الأولياء : ٧ / ١٠٥.