٤ ـ الجزاء الإلهي :
طبيعة الجزاء الإلهي ، وأشكاله :
لقد آن لنا أن نسأل أنفسنا عن طبيعة الجزاء الإلهي ، ومجاله ، على ما وصفه القرآن.
فعلى حين تجعل التّوراة السّعادة الموعودة في طيبات هذا العالم ، ويحصرها الإنجيل تقريبا في السّماء ، نجد أنّ القرآن ـ كما سبق أن وضحنا ـ يريد أن يجمع هذين المفهومين ، وأن يوفق بينهما.
والحقّ ، أنّ الأمر بالنسبة إلى القرآن أمر مصالحة ، وتوفيق ، فهو يريد أن يثبت في وحدتهما الأولية عنصرين متكاملين لواقع واحد ، عمل الشّراح الكتابيون بصورة ما على شطره ، حين ألح كلّ فريق من جانبه ، إلحاحا شديدا على الجانب الّذي تركه الآخر في كنف الغموض.
ومع ذلك ، فلو كان الأمر أمر توفيق ، أو مصالحة فقط لما نهض هذا الجمع بين النّظامين مطلقا بتفسير النّظام القرآني ، لأنّ مبدأ هذا التّركيب حين وضع ، زاد القرآن في تحديده ، وأثراه ، حين أدخل فيه كثيرا من العناصر الجديدة.
ولنذكر أوّلا الآيات الّتي يكتفي القرآن فيها بإقرار هذا المبدأ على وجه الإيجاز ، إنّه يعلن أنّ الجزاء الإلهي ـ دون أن يحدد طبيعته ـ سوف يحدث في موعدين ، يستوي في ذلك الصّالحون ، والطّالحون ؛ وفي الصّالحين يقول الله سبحانه : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا