للجسم ، كيما يوفر لها الصّحة ، بل يهتم أيضا ، وبأوفى قدر ، بالحالة العادية ، من أجل صونها ، وتحسينها ، فإنّ مهمة مماثلة ينبغي أن تناط بطب النّفوس : فمن واجبه أن يصف لكياننا الجواني نظام التّغذية ، وطريقة اتباعه لتحقيق أنسب الظّروف لتنمية هذا الكيان.
وهكذا يأتي (الجهد المبدع) فوق (جهد المدافعة) ، وبعد أن حددنا موقف القرآن حيال جهد المدافعة ، يجب أن نرى الآن موقفه من جهد الإبداع.
ب ـ الجهد المبدع
لنفترض الآن أنّ أحد ميولنا السّيئة ، أو كثيرا منها ، أو كلّها ـ قد انزاح من وجودنا الأخلاقي ، إننا نكون بذلك قد حققنا تقدما. وكلّما تخلص حقل عملنا من أعشابه الضّارة ، أصبح أكثر قابلية للزراعة. ومع ذلك يجب ألا نظن أنّه قد أصبح ـ للحال ـ صالحا ، لأنّ تنحية الإتجاهات الضّارة ليس معناها خلق الإتجاهات النّافعة بالضرورة.
ولذلك يجب ألا نبقى في حالة اللامبالاة ، والحياد ، حيال ما يجب غرسه ، فبعد أن ننزع الأعشاب الضّارة يجب علينا أن نبحث عن البذور الجديدة. فأمّا إذا إلتزمنا موقفا محايدا في هذا الصّدد فإنّ هذا الموقف يكون ضد الأخلاق.
ولنفترض كذلك أنّ بعض الميول الصّالحة الرّاسخة تحتل لدينا الآن المكان الأوّل ، فتلك ولا شك خطوة جديدة ، تجعلنا أكثر تأهلا للأخلاقية ، ولكنا لا نكون بعد في صميم أرضها.
في هذه المرحلة يتمثل الخير لنا على أنّه الأجدر ، أو الأفضل ، ولكنا لم نترك بعد مجال النّزوع. وشتان بين أن «ننزع» إلى شيء ، وأن «نريد» هذا الشّيء ،