وإنّما هو ينشيء لنا تكملة من القوة ، والحماس في سيرنا المنتصر ، إلى نفس الهدف ، ولن يعود الواجب آنذاك محترما فحسب ، بل سوف يكون هوانا الّذي يمتزج بدمنا.
أليس تطلّب النّزاهة الكلية في مجال ضروراتنا الجوهرية ـ إنكارا لضعفنا الإنساني؟ .. لقد وصم «بسكال» (١) ، هذا الغرور ، وندد به تنديدا كافيا.
إننا لا ننكر إمكان موقف كهذا بالنسبة إلى بعض المتميزين في قمة تقدمهم ، ولكن هل يكون منهجا حكيما أن ندعو إلى الأخلاق فنبدأ بقطع قنطرتها خلف الأبطال ، بقطع الأسباب بين المرء وماضيه ، وبذلك لا ندع للإنسانية سوى يأس مطلق؟ .. وكيف تقنع بالواجب إنسانا مستغرقا في شئونه ، أو آخر مستسلما لشهواته ، إذا كنت تطلب منه أن ينقطع تماما عن ماضيه كلّه على صورة تحول عنيف ، وأن يخضع نفسه لقاعدة جافة لم يدرك بعد ملاءمتها؟. وإذا كنت فضلا عن ذلك تعمد إلى منعه من أن يلقي نظرة واحدة على أي شيء من شأنه أن يسوغ في نظره أمرك إياه ، وإلّا أصبح عديم الأخلاق ، فأية نتيجة يمكن أن تحصل عليها من هذه التّربية ، إن لم تكن أن تفقد تلميذك كلّ ثقة بنفسه ، وإلى الأبد؟ ..
__________________
(١) بسكال : رياضيّ فيزيائي فيلسوف كاتب فرنسي ، (١٦٢٣ م ، ١٦٦٢ م) أهتم منذ نعومة أظفاره بالعلوم ، وابتكر في سن الثّامنة عشرة ماكينة حاسبة وإليه يرجع الفضل في الكشف عن بعض قوانين الضّغط الجوي ، والمائي وتوازن السّوائل ، وبإسمه المثلث المعروف (مثلث بسكال) (والّذي ثبت فيما بعد أنّه أخذه عن رياضي مسلم هو الكرجي). اعتنق المسيحية ثمّ بدأ يكتب عنها مؤلفا مات قبل إتمامه ، ونشرت بعض أجزائه بعنوان : (أفكار) وقد أدت أعماله في المجال الأخلاقي إلى توجيه فكر عصره نحو دراسة النّقائص ، والرّذائل الّتي ألصقتها الطّبيعة بالنفس والعقل الإنساني ، ومن هنا يعتبر من واضعي الكلاسيكية. (المعرب).