الحس الأخلاقي ليس من باب التّعارض ، والعقل العملي الخالص لا يرى أن يتخلى المرء عن كلّ دعاوي السّعادة ، بل ربما كان واجبا في بعض المجالات أن يهتم المرء بسعادته ، لأنّ السّعادة ... تقدم له من ناحية ـ وسائل أداء واجبه ، ولأنّ الحرمان من السّعادة ـ من ناحية أخرى ـ (في حالة الفقر مثلا) ـ يجلب معه إلى الإنسان إغراءات بإنتهاء واجبه.
على أن يكون مفهوما أنّ عمل المرء لسعادته فحسب ، لا يمكن أن يكون واجبا ، أبدا ، وأقل من ذلك أن نجعل منه مبدأ كلّ واجب» (١).
وقال بطريقة أكثر صراحة : «لا شك أنّ أحدا لا يستطيع أن ينكر أنّه لكي نقود عقلا مجدبا ، أو حتّى فاسدا إلى طريق الخير الأخلاقي ـ فإننا نحتاج إلى بعض التّدريبات الإعدادية لترغيبه عن طريق ما يحقق من نفع ذاتي ، أو ترهيبه بالخوف من بعض الخسائر. ولكن متى ما حققت هذه الآلية (الميكانيكية) وهذا الإنقياد ، بعض الآثار فيجب أن نقدم إلى النّفس المبدأ الأخلاقي في صورته المحضة ، أي في صورة الإلتزام بالواجب (٢).
وهكذا تستهل الحياة الأخلاقية بإدخال العنصر المثالي ، (المثل الأعلى) ، في مجال كان من قبل محتلا بالعنصر الطّبيعي ، والحقّ أنّ هذا المثل الأعلى يسعى دائما إلى أن يكسب أرضا ، ويختلس فيها مكان شاغلها الأوّل. فهو لا يكف عن المطالبة بوجوب أن يكون سيد الضّمير الأوحد ، وأنّه لا يريد أي إختلاط أو إلتباس به ، ولكن أهذا ممكن؟ ... وهل له حقّ فيه؟ .. وهل يصل إليه؟ .. كلّ ذلك
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Kant.Crit.de la R.prats p.٩٩
(٢) انظر ، ١ ـ Kant.Crit.de la R.prats p.٢٦١