وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (١).
ولم يكتف القرآن بأن يستثير النّاس إلى تحقيق هذا الإقتحام الصّاعد ، بل مضى إلى حدّ أن أدخل فكرة هذا الجهد في تحديد الإيمان الصّادق نفسه : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (٢).
فهل بوسع أحد أن يضع الجهد الأخلاقي وضعا أسمى من هذا؟
ومع ذلك فلسنا نستطيع أن نكتفي بهذه العموميات ، فإنّ فكرا جدليا مولعا بالوضوح ، وبالدقة لا يمكن أن يتوقف عند تأكيد مطلق كهذا ، دون أن يبحث له عن بعض ما ينقضه ، ودون أن يحاول توفيقا يضع الأمور موضعها الصّحيح.
ومن أجل هذا سوف نخضع النّقاط الآتية لبحثنا :
١ ـ هل يجب أن تنفي قيمة الجهد قيمة الإنبعاث التّلقائي؟
وبأي شرط؟ ..
٢ ـ ما نصيب الجهد العضوي في هذه القيمة؟.
٣ ـ أليس للجهد حين يفرض نفسه ـ حدّ يقف عنده؟.
١ ـ جهد ، وانبعاث تلقائي :
كان (سيجور) يقول : إنّ الإنسان «يفخر بكلّ ما هو جهد» (٣).
هذا الإتجاه الفطري إلى تمجيد روح الكفاح ، والتّضحية ، ـ وهو إتجاه مشروع
__________________
(١) البلد : ١١ ـ ١٧.
(٢) الحجرات : ١٥.
(٣) انظر ، ١ ـ Segur, Hist. Nap. VIII, ١١. a. tepar littre, art, effort.