لعلم الأخلاق في القرآن ـ فحسب ، بل لقد كشفت لنا عن أنّ الصّورة الّتي جاءت بها بلغت درجة من الكمال لا يبتغى وراءها شيء.
الجانب العملي : وقد بحثنا في رسالة حديثة النّشر ـ الأخلاقية العملية في القرآن ، في علاقتها بالحكمة القديمة ، واستطعنا أن نكشف فيها عن ثلاث خصائص نوجزها فيما يلي :
فالقرآن ـ من حيث كونه حافظا لما سبقه ، واستمرارا له ـ قد تميز عنه بذلك الأمتداد الرّحب الّذي ضمّ فيه جوهر القانون الأخلاقي كلّه ، وهو الّذي ظل متفرقا في تعاليم القديسين ، والحكماء ، من المؤسسين والمصلحين ، الذين تباعد بعضهم عن بعض ، زمانا ومكانا ، وربما لم يترك بعضهم أثرا من بعده يحفظ تعاليمه.
ولعل هذا الجانب هو السّمة البارزة من سمات القرآن ، وإن لم تكن أثمن سماته ، ولا أصلها.
وإنّما تبدو أصالة هذا التّعليم الأخلاقي في أجلى صورها ، في طريقته الّتي سلكها لتقديم تلك الدّروس المختلفة عن الماضين ، وتقريبها ، بحيث يصوغ تنوعها في وحدة لا تقبل الأنفصام ، ويسوقها على إختلافها في إطار من الأتفاق التّام ، وذلك لأنّه بدأ بأنّ نزع عن الشّرائع السّابقة كلّما كان في ظاهر الأمر إفراطا ، أو تفريطا ، وبعد أن حقق وضع التّعادل في ميزانها ، الّذي كان يميل تارة إلى جانب ، وأخرى إلى جانب آخر ـ دفعها جميعها في اتجاه واحد ، ثمّ نفخ فيها من روح واحدة ، بحيث صار حقا أن ينسب إليه بخاصة مجموع هذه الأخلاق.
وأعجب من ذلك ، وأعظم أصالة جانبه الخلاق ، فليس يكفي ـ في الواقع ـ