(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) (٦٨)
إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز ، والمراد بالأرض الأرضون السبع يشهد لذلك قوله جميعا ، وقوله والسماوات ، ولأنّ الموضع موضع تعظيم فهو مقتض للمبالغة ، والأرض مبتدأ ، وقبضته الخبر ، وجميعا منصوب على الحال ، أي والأرض إذا كانت مجتمعة قبضته يوم القيامة ، والقبضة : المرة من القبض. والقبضة : المقدار المقبوض بالكفّ ، ويقال : أعطني قبضة من كذا تريد معنى القبضة تسمية بالمصدر ، وكلا المعنين محتمل ، والمعنى والأرضون جميعا قبضته أي ذوات قبضته يقبضهنّ قبضة واحدة ، يعني أنّ الأرضين مع عظمهنّ وبسطهنّ لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته ، كأنه يقبضها قبضة بكف واحدة ، كما تقول الجزور أكلة لقمان ، أي لا تفي إلا بأكلة فذة من أكلاته ، وإذا أريد معنى القبضة فظاهر لأنّ المعنى أنّ الأرضين بجملتها مقدار ما يقبضه بكفّ واحدة ، والمطويات من الطّيّ الذي هو ضدّ النشر كما قال : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) (١) وعادة طاوي السّجلّ للكتاب أن يطوي (٢) بيمينه ، وقيل : قبضته ملكه بلا مدافع ولا منازع ، وبيمينه بقدرته ، وقيل مطويات بيمينه مفنيات بقسمه لأنه أقسم أن يفنيها (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ما أبعد من هذا (٣) قدرته وعظمته وما أعلاه عما يضاف إليه من الشركاء.
٦٨ ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ) مات (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أي جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، وقيل هم حملة العرش أو رضوان والحور العين ومالك والزبانية (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى) هي في محلّ الرفع ، لأنّ المعنى ونفخ في الصور نفخة واحدة ثم نفخ فيه نفخة أخرى ، وإنما حذفت لدلالة أخرى عليها ، ولكونها معلومة بذكرها في غير مكان (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) يقلّبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب ، أو ينظرون أمر الله فيهم ، ودلّت الآية على أنّ النفخة اثنتان : الأولى للموت والثانية للبعث ، والجمهور على أنها ثلاث : الأولى للفزع ، كما قال : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) (٤) والثانية للموت والثالثة للإعادة.
__________________
(١) الأنبياء ، ٢١ / ١٠٤.
(٢) في (ظ) و (ز) وعادة طاوي السجل أن يطويه.
(٣) في (ظ) و (ز) هذه.
(٤) في جميع النسخ : ونفخ في الصور ففزع والصواب (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) الآية ٨٧ من سورة النمل.