(كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (٨) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) (١٧)
خسر الميزان وأخسره (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) يعني يوم القيامة ، أدخل همزة الاستفهام على لا النافية توبيخا ، وليست هذه للتنبيه ، وفيه إنكار وتعجيب عظيم من حالهم في الاجتراء على التطفيف كأنهم لا يخطرون ببالهم ولا يخمنون تخمينا أنهم مبعوثون ومحاسبون على مقدار الذّرّة ، ولو ظنوا أنهم يبعثون ما نقصوا في الكيل والوزن. وعن عبد الملك بن مروان أن أعرابيا قال له : لقد سمعت ما قال الله في المطففين ـ أراد بذلك أن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم ـ الذي سمعت به فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن؟ ونصب (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) بمبعوثون (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) لأمره وجزائه ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرأ هذه السورة فلما بلغ هنا بكى نحيبا وامتنع من قراءة ما بعده.
٧ ـ ٩ ـ (كَلَّا) ردع وتنبيه ، أي ردعهم عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن البعث والحساب ، ونبههم على أنه مما يجب أن يتاب عنه ويندم عليه ، ثم اتبعه وعيد الفجار على العموم فقال (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ) صحائف أعمالهم (لَفِي سِجِّينٍ. وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. كِتابٌ مَرْقُومٌ) فإن قلت قد أخبر الله تعالى عن كتاب الفجار بأنه في سجين وفسّر سجينا بكتاب مرقوم فكأنه قيل إن كتابهم في كتاب مرقوم فما معناه؟ قلت : سجين كتاب جامع ، هو ديوان الشرّ دوّن الله فيه أعمال الشياطين والكفرة من الجن والإنس ، وهو كتاب مرقوم مسطور بيّن الكتابة ، أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه من رقم الثياب علامتها ، والمعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان ، وسمّي سجّينا فعّيلا من السجن وهو الحبس والتضييق لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم ، أو لأنه مطروح تحت الأرض السابعة في مكان وحش مظلم ، وهو مسكن إبليس وذريته ، وهو اسم علم منقول من وصف كحاتم ، منصرف لوجود سبب واحد وهو العلميّة فحسب.
١٠ ـ ١٧ ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ) يوم يخرج المكتوب (لِلْمُكَذِّبِينَ. الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) الجزاء والحساب (وَما يُكَذِّبُ بِهِ) بذلك اليوم (إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ) مجاوز للحد