(فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) (٤٧)
وجعله دليلا عليه وقرينة له ، ولأنه ذكر الحضّ دون الفعل ليعلم أنّ تارك الحضّ إذا كان بهذه المنزلة فتارك الفعل أحقّ ، وعن أبي الدرداء أنه كان يحضّ امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان فلنخلع نصفها بهذا. وهذه الآيات ناطقة على أنّ المؤمنين يرحمون جميعا والكافرين لا يرحمون ، لأنه قسّم الخلق صنفين (١) فجعل صنفا منهم أهل اليمين ووصفهم بالإيمان فحسب بقوله : إني ظننت أني ملاق حسابيه ، وصنفا منهم أهل الشمال ووصفهم بالكفر بقوله : إنه كان لا يؤمن بالله العظيم وجاز أنّ الذي يعاقب من المؤمنين إنما يعاقب قبل أن يؤتي كتابه بيمينه (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) قريب يدفع (٢) عنه ويحترق له قلبه (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) غسالة أهل النار ، فعلين من الغسل ، والنون زائدة ، وأريد به هنا ما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) الكافرون أصحاب الخطايا ، وخطىء الرجل إذا تعمّد الذّنب.
٣٨ ـ ٤٠ ـ (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ) من الأجسام والأرض والسماء (وَما لا تُبْصِرُونَ) من الملائكة والأرواح ، فالحاصل أنه أقسم بجميع الأشياء (إِنَّهُ) أي إنّ القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) أي محمد صلىاللهعليهوسلم أو جبريل عليهالسلام ، أي يقوله ويتكلّم به على وجه الرسالة من عند الله.
٤١ ـ ٤٧ ـ (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) كما تدّعون (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ) كما تقولون (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) وبالياء فيهما مكي وشامي ويعقوب وسهل ، وبتخفيف الذال كوفي غير أبي بكر ، والقلة في معنى العدم ، يقال هذه أرض قلّما تنبت أي لا تنبت أصلا ، والمعنى لا تؤمنون ولا تذكرون البتة (تَنْزِيلٌ) هو تنزيل ، لأنه قول رسول نزّل عليه (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) ولو ادّعى علينا شيئا لم نقله (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) لقتلناه صبرا كما يفعل الملوك بمن يتكذّب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام ، فصوّر قتل الصبر بصورته ليكون أهول ، وهو أن يؤخذ بيده
__________________
(١) في (ظ) و (ز) نصفين.
(٢) في (ز) يرفع.