(قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (١٣)
٩ ـ (قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ) اعتراف منهم بعدل الله وإقرار بأنه تعالى أزاح عللهم ببعثة (١) الرّسل وإنذارهم ما وقعوا فيه (فَكَذَّبْنا) أي فكذبناهم (وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) مما يقولون من وعد ووعيد وغير ذلك (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) أي قال الكفار للمنذرين ما أنتم إلا في خطأ عظيم ، فالنذير بمعنى الإنذار ، ثم وصف به منذروهم لغلوّهم في الإنذار كأنهم ليسوا إلا إنذارا ، وجاز أن يكون هذا كلام الخزنة للكفار على إرادة القول ، ومرادهم بالضلال الهلاك ، أو سمّوا جزاء الضلال باسمه كما سمّي جزاء السيئة والاعتداء سيئة واعتداء ، ويسمّى المشاكلة في علم البيان ، أو كلام الرسل لهم حكوه للخزنة أي قالوا لنا هذا فلم نقبله.
١٠ ـ (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) الإنذار سماع طالب الحقّ (أَوْ نَعْقِلُ) أي نعقله عقل متأمل (ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) في جملة أهل النار ، وفيه دليل على أنّ مدار التكليف على أدلة السمع والعقل وأنهما حجتان ملزمتان.
١١ ـ (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) بكفرهم في تكذيبهم الرسل (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) وبضم الحاء يزيد وعليّ ، فبعدا لهم عن رحمة الله وكرامته ، اعترفوا أو جحدوا فإن ذلك لا ينفعهم ، وانتصابه على أنه مصدر وقع موقع الدعاء.
١٢ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) قبل معاينة العذاب (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) للذنوب (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) أي الجنة.
١٣ ـ (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) ظاهره الأمر بأحد الأمرين الإسرار والإجهار ، ومعناه ليستو عندكم إسراركم وإجهاركم في علم الله بهما. روي أنّ مشركي مكة كانوا ينالون من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيخبره جبريل بما قالوه فيه ونالوه منه ، فقالوا فيما بينهم أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فنزلت ، ثم علله بقوله (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بضمائرها قبل أن تترجم الألسنة عنها فكيف لا يعلم ما تكلم به.
__________________
(١) في (ظ) و (ز) ببعث.