(وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) (٦٩)
فصار بدل القوة ضعفا وبدل الشباب هرما ، وذلك أنّا خلقناه على ضعف في جسد (١) وخلوّ من عقل وعلم ، ثم جعلناه يتزايد إلى أن يبلغ أشدّه ويستكمل قوّته ويعقل ويعلم ما له وما عليه ، فإذا انتهى نكسناه في الخلق ، فجعلناه يتناقص حتى يرجع إلى حال شبيهة بحال الصبيّ في ضعف جسده وقلة عقله وخلوّه من العلم كما ينكس السهم ، فيجعل أعلاه أسفله قال عزوجل : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) (٢) (أَفَلا يَعْقِلُونَ) أنّ من قدر على أن ينقلهم من الشباب إلى الهرم ، ومن القوّة إلى الضعف ، ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويبعثهم بعد الموت ، وبالتاء مدني ويعقوب وسهل.
وكانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم شاعر فنزل :
٦٩ ـ (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) أي وما علمنا النّبيّ عليهالسلام قول الشعر (٣) أو وما علمناه بتعليم القرآن الشعر ، على معنى أنّ القرآن ليس بشعر ، فهو كلام موزون مقفّى يدلّ على معنى فأين الوزن وأين التقفية؟ فلا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حقّقت (٤) (وَما يَنْبَغِي لَهُ) وما يصحّ له ، ولا يليق بحاله ، ولا يتطلب لو طلبه أي جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهّل ، كما جعلناه أميّا لا يتهدّى (٥) إلى الخطّ لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض ، وأما قوله :
أنا النبيّ لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطلب (٦) |
وقوله :
هل أنت إلا أصبع دميت |
|
وفي سبيل الله ما لقيت (٧) |
فما هو إلا من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة فيه ولا تكلّف إلا أنه اتفق من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه أن جاء موزونا كما يتفق في خطب الناس ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة ولا يسميها أحد شعرا لأن
__________________
(١) في (ظ) و (ز) جسده.
(٢) الحج ، ٢٢ / ٥.
(٣) في (ظ) و (ز) الشعراء.
(٤) في (ز) حققته.
(٥) في (ظ) و (ز) يهتدي.
(٦) متفق عليه من حديث البراء بن عازب في حديث.
(٧) متفق عليه من حديث جندب بن سفيان في حديث.