(فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ) (٧)
٤ ـ (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ) هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان فسّر بهما جواب القسم ، كأنه قيل أنزلناه لأنّ من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب ، وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصا لأنّ إنزال القرآن من الأمور الحكميّة ، وهذه الليلة مفرق كلّ أمر حكيم ، ومعنى يفرق يفصل ويكتب كلّ أمر من أرزاق العباد وآجالهم ، وجميع أمورهم من هذه الليلة إلى ليلة القدر التي تجيء في السنة المقبلة (حَكِيمٍ) ذي حكمة أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة ، وهو من الإسناد المجازيّ لأنّ الحكيم صفة صاحب الأمر على الحقيقة ووصف الأمر به مجاز (١).
٥ ـ (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) نصب على الاختصاص ، جعل كلّ أمر جزلا فخما بأن وصفه بالحكيم ، ثم زاده جزالة وفخامة بأن قال أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا كما اقتضاه علمنا وتدبيرنا (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) بدل من إنّا كنّا منذرين.
٦ ـ (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) مفعول له على معنى إنا أنزلنا القرآن لأنّ من شأننا وعادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم ، أو تعليل لقوله أمرا من عندنا ، ورحمة مفعول به وقد وصف الرحمة بالإرسال كما وصفها به في قوله : (وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) (٢) والأصل إنّا كنا مرسلين رحمة منا ، فوضع الظاهر موضع الضمير إيذانا بأنّ الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بأحوالهم.
٧ ـ (رَبِ) كوفي بدل من ربّك ، وغيرهم بالرفع أي هو ربّ (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) ومعنى الشرط أنهم كانوا يقرّون بأنّ للسموات والأرض ربّا وخالقا ، فقيل لهم إنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الربّ ، ثم قيل إنّ هذا الربّ هو السميع العليم الذي أنتم مقرّون به ومعترفون بأنه ربّ السماوات والأرض وما بينهما إن كان إقراركم عن علم وإيقان ، كما تقول إنّ هذا إنعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه إن بلغك حديثه وحدثت بقصّته.
__________________
(١) في (ظ) و (ز) مجازا بصيغة المعلوم ، والنسفي أكثر ما اعتمد في أسلوبه على المبني للمجهول لذلك اثبتنا ما في (أ).
(٢) فاطر ، ٣٥ / ٢.