(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ) (١٦)
هو على كلام الرسل وفيه تهكم ، كما قال فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (١) وقولهم : فإنا بما أرسلتم به كافرون ، خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء الذين دعوا إلى الإيمان بهم ، روي أنّ قريشا بعثوا عتبة بن ربيعة ، وكان أحسنهم حديثا ليكلّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وينظر ما يردّ (٢) ، فأتاه وهو في الحطيم (٣) ، فلم يسأل شيئا إلا أجابه ، ثم قرأ عليهالسلام السورة إلى قوله مثل صاعقة عاد وثمود ، فناشده بالرحم وأمسك على فيه ، ووثب مخافة أن يصبّ عليهم العذاب ، فأخبرهم به ، وقال : لقد عرفت السحر والشعر فو الله ما هو بساحر ولا بشاعر ، فقالوا : لقد صبأت أما فهمت منه كلمة ، فقال لا ولم أهتد إلى جوابه ، فقال عثمان بن مظعون : ذلك والله لتعلموا أنه من ربّ العالمين (٤) ، ثم بيّن ما ذكر من صاعقة عاد وثمود فقال :
١٥ ـ (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي تعظّموا فيها على أهلها بما لا يستحقّون به التعظم (٥) ، وهو القوة وعظم الأجرام ، أو استولوا على الأرض بغير استحقاق للولاية (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم ، وبلغ من قوّتهم أنّ الرجل كان يقلع الصخرة من الجبل بيده (أَوَلَمْ يَرَوْا) أو لم يعلموا علما يقوم مقام العيان (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) أوسع منهم قدرة ، لأنه قادر على كلّ شيء وهم قادرون على بعض الأشياء بإقداره (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) معطوف على فاستكبروا ، أي كانوا يعرفون أنها حق ولكنهم جحدوها كما يجحد المودع الوديعة.
١٦ ـ (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) عاصفة تصرصر ، أي تصوّت في هبوبها ، من الصرير ، أو باردة تحرق بشدة بردها تكرير لبناء الصرّ وهو البرد ، قيل إنها الدّبور
__________________
(١) الشعراء ، ٢٦ / ٢٧.
(٢) في (ز) يريد.
(٣) الحطيم : بالفتح ثم الكسر : بمكة ، قال مالك بن أنس : هو ما بين المقام إلى الباب (معجم البلدان ٢ / ٣١٥).
(٤) أبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل وابن إسحاق في السيرة عن جابر وأتم منه.
(٥) في (ز) التعظيم.