(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (١٨)
(فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) مشؤومات عليهم. نحسات مكي وبصري ونافع ، ونحس نحسا نقيض سعد سعدا ، وهو نحس ، وأما نحس فإما مخفف نحس أو صفة على فعل ، أو وصف بمصدر ، وكانت من الأربعاء في آخر شوال إلى الأربعاء ، وما عذّب قوم إلا في الأربعاء (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أضاف العذاب إلى الخزي وهو الذلّ على أنه وصف للعذاب ، كأنه قال عذاب خز (١) كما تقول فعل السوء تريد الفعل السيّء ، ويدلّ عليه قوله (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) وهو من الإسناد المجازي ، ووصف العذاب بالخزي أبلغ من وصفهم به ، فشتان ما بين قوليك هو شاعر وله شعر شاعر (وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) من الأصنام التي عبدوها على رجاء النصر لهم.
١٧ ـ (وَأَمَّا ثَمُودُ) بالرفع على الابتداء ، وهو الفصيح لوقوعه بعد حرف الابتداء ، والخبر (فَهَدَيْناهُمْ) وبالنصب المفضّل ، بإضمار فعل يفسّره فهديناهم ، أي بيّنا لهم الرشد (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) فاختاروا الكفر على الإيمان (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ) داهية العذاب (الْهُونِ) الهوان ، وصف به العذاب مبالغة وأبدله منه (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) بكسبهم وهو شركهم ومعاصيهم ، وقال الشيخ أبو منصور يحتمل ما ذكر من الهداية التبيين كما بينا ، ويحتمل خلق الاهتداء فيهم ، فصاروا مهتدين ، ثم كفروا بعد ذلك ، وعقروا الناقة ، لأنّ الهدى المضاف إلى الخالق يكون بمعنى البيان والتوفيق وخلق فعل الاهتداء ، فأما الهدى المضاف إلى الخلق يكون بمعنى البيان لا غير ، وقال صاحب الكشاف فيه : فإن قلت أليس معنى قولك هديته جعلت فيه الهدى ، والدليل عليه قولك هديته فاهتدى بمعنى تحصيل البغية وحصولها كما تقول : ردعته فارتدع ، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة؟ قلت : للدلالة على أنه مكّنهم ، فأزاح عللهم ولم يبق لهم عذرا (٢) ، فكأنه حصّل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها ، وإنما تمحّل بهذا لأنه لا يتمكن من أن يفسره بخلق الاهتداء لأنه يخالف مذهبه الفاسد.
١٨ ـ (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي اختاروا الهدى على العمى من تلك الصاعقة (وَكانُوا يَتَّقُونَ) اختيار العمى على الهدى.
__________________
(١) في (ظ) و (ز) خزي.
(٢) في (ز) عذر. على صياغة الجملة للمعلوم.