ذهب المشهور إلى أنّ هذه الآيات خطاب مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بنهيه عن التسرّع بقراءة آية فور نزولها وقد اكتنفتها آيات قبلها وبعدها تحدّثت عن أحوال القيامة وأهوالها. فلا رابط بينهنّ ، حيث اختلاف الاتّجاه.
وقال البلخي (١) : الذي أختاره : أنّه لم يرد القرآن ، وإنّما أراد قراءة العباد لكتبهم يوم القيامة. يدلّ على ذلك ما قبله وما بعده ، وليس فيه شيء يدلّ على أنّه القرآن ولا شيء من أحكام الدنيا. وفي ذلك تقريع للعبد وتوبيخ له حين لا تنفعه العجلة. يقول : لا تحرّك لسانك بما تقرأه من صحيفتك التي فيها أعمالك. يعني : اقرأ كتابك ولا تعجل ، فإنّ هذا الذي هو على نفسه بصيرة إذا رأى سيّئاته ضجر واستعجل ، فيقال له توبيخا : لا تعجل وتثبّت ، لتعلم الحجّة عليك ، فإنّا نجمعها لك ، فإذا جمعناه فاتّبع ما جمع عليك ، بالانقياد لحكمه والاستسلام للتبعة فيه ، فإنّه لا يمكنك إنكاره ـ ثمّ إنّ علينا بيانه ـ لو أنكرت.
[م / ٨٠] وقال الحسن : معناه : ثمّ إنّ علينا بيان ما أنبأناك أنّا فاعلون في الآخرة وتحقيقه (٢).
وهكذا ذهب إلى هذا الرأي من المعاصرين الشيخ محمود شلتوت ، قائلا : وهنا ـ يوم القيامة ـ تقدّم له صحف أعماله ونيّاته فينبّأ بما قدّم وأخّر وعندئذ يحاول أن يخلص من صحيفته فيعجل بقرائتها لتطوى ويفرغ من حسابه وموقف خزيه ، فيعلن بأنّ الأمر في ذلك ليس إليه ، وإنّما هو إلى الله (٣).
وأمّا سيّدنا العلّامة الطباطبائي فدافع عن الرأي المشهور وقال ـ ردّا على رأي البلخي ـ : إنّ المعترضة لا تحتاج في تمام معناها إلى دلالة ممّا قبلها وما بعدها عليه. على أنّ مشاكلة قوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)(٤) في سياقه لهذه الآيات ، تؤيّد مشاكلتها له في المعنى (٥).
قلت : إن أراد رحمهالله من المعترضة ، أنّ هذه الآيات الأربع ، من قبيل الجمل المعترضة أثناء الكلام ، فقد صرّح علماء البيان بأن لا بدّ فيها من كمال الارتباط ، إمّا تعليلا لحكم أو تدليلا أو
__________________
(١) هو أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي ، العالم المشهور ، كان رأس طائفة من المعتزلة ، وهو صاحب مقالات وكان من كبار المتكلّمين. توفّي سنة ٣١٧. (ابن خلكان ٣ : ٤٥ / ٣٣٠).
(٢) مجمع البيان ١٠ : ١٩٧.
(٣) إلى القرآن الكريم : ١٨١.
(٤) طه ٢٠ : ١١٤.
(٥) الميزان ٢٠ : ١٩٧.