[م / ١٨٧] وأخرج البخاري عن عمر بن الخطّاب ، قال : لمّا توفّي عبد الله بن أبي سلول ، جاء ابنه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه ، فأعطاه.
ثمّ سأله أن يصلّي عليه ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليصلّي عليه. قال عمر : فأخذت ثوبه وقلت : تصلّي عليه ، وقد نهاك ربّك أن تصلّي عليه؟!
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّما خيّرني الله فقال : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)(١). وسأزيد على السبعين.
قال عمر : إنّه منافق ، قال : فصلّى عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأنزل الله : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ)(٢). قال عمر : فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله (٣).
قلت : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ)(٤). كيف يظنّون بنبيّ الإسلام يستهين حرمات الله وفي تلك التعاليل الواهية ، والتي تتناسب وعقليّة الراوي الهزيلة ، دون مقام الرسول الرفيع.
وحاول أئمّة النقد والتمحيص ردّ مثل هذا الحديث لنكارته ، ونسبوه إلى وهم الراوي ، معلّلين بأنّه يستدعي أن يكون عمر قد اجتهد في مقابلة النصّ ، أو أنّه فهم ما لم يفهمه صاحب الشريعة.
وحاول ابن حجر تصحيح الخبر والردّ على هؤلاء ، لكنّه أتى بما يزيد في الطين بلّة. يقول : زعم غير هؤلاء أنّ عمر اطّلع على نهي خاصّ في ذلك. لكنّه من أين؟ قال القرطبي : لعلّ ذلك وقع في خاطر عمر ، فيكون من قبيل الإلهام ـ وقد حرم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من ذلك حينذاك!؟ ـ قال : ويحتمل أن يكون فهم ذلك من نهي الاستغفار ـ ما لم يفهمه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم منه!! ـ (٥).
قال ابن حجر : وما قاله القرطبيّ أقرب. لكنّ المشكلة : كيف يلهم عمر بما لا يعرفه صاحب الشريعة. وهنا اقترح ابن حجر افتراض فهم عمر قال :
[م / ١٨٨] أخرج ابن مردويه أنّ عمر ، قال للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أتصلّي عليه وقد نهاك الله؟ فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أين؟ قال : قال الله (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ...) قال ابن حجر : فكان عمر قد فهم من هذه الآية ـ ما هو الأكثر الأغلب من لغة العرب ـ من أنّ «أو» ليست ـ هنا ـ للتخيير ، بل للتسوية ، في
__________________
(١) التوبة ٩ : ٨٠.
(٢) التوبة ٩ : ٨٤.
(٣) البخاري ٥ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ، وراجع : لباب النقول : ١٤٦.
(٤) سبأ ٣٤ : ٢٠.
(٥) القرطبي ٨ : ٢١٩.