والنظرة الصحيحة في معنى الآية ـ بعد ملاحظة ما اكتشفه علماء النبات ـ تفيدنا سرا دقيقا لم تدركه أفكار السابقين ، وهو الإشارة إلى حاجة إنتاج الشجر والنبات إلى اللقاح. وأن اللقاح قد يكون بسبب الرياح ، وهذا كما في المشمس والصنوبر والرمان والبرتقال والقطن ، ونباتات الحبوب وغيرها ، فإذا نضجت حبوب الطلع انفتحت الأكياس ، وانتثرت خارجها محمولة على أجنحة الرياح فتسقط على مياسم الأزهار الاخرى عفوا.
وقد أشار سبحانه وتعالى إلى أنّ سنّة الزواج لا تختص بالحيوان ، بل تعمّ النبات بجميع أقسامه بقوله :
(وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) «١٣ : ٣».
(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) «٣٦ : ٣٦».
ومن الأسرار التي كشف عنها القرآن هي حركة الأرض. فقد قال عز من قائل :
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) «٢٠ : ٥٣».
تأمّل كيف تشير الآية إلى حركة الأرض إشارة جميلة لم تتضح إلا بعد قرون ، وكيف تستعير للأرض لفظ المهد الذي يعمل للرضيع ، يهتز بنعومة لينام فيه مستريحا هادئا؟ وكذلك الأرض مهد للبشر وملائمة لهم من جهة حركتها الوضعية والانتقالية ، وكما أن تحرك المهد لغاية تربية الطفل واستراحته ، فكذلك الأرض ، فإن حركتها اليومية والسنوية لغاية تربية الإنسان بل وجميع ما عليها من الحيوان والجماد والنبات.