ويضارعه في بلاغته. وكلمات الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وخطبه محفوظة مدونة تختص بأسلوب آخر. ولو كان في كلماته ما يشبه القرآن لشاع نقله وتدوينه ، وخصوصا من أعدائه الذين يريدون كيد الإسلام بكل وسيلة وذريعة. مع أن للبلاغة المألوفة حدودا لا تتعدّاها في الأغلب ، فإنا نرى البليغ العربي الشاعر أو الناثر تختص بلاغته في جهة واحدة ، أو جهتين أو ثلاث جهات ، فيجيد في الحماسة مثلا دون المديح ، أو في الرثاء دون النسيب. والقرآن قد استطرد مواضيع عديدة ، وتعرّض لفنون من الكلام كثيرة ، وأتى في جميع ذلك بما يعجز عنه غيره ، وهذا ممتنع على البشر في العادة.
القرآن معجزة خالدة :
قد عرفت أن طريق التصديق بالنبوة والإيمان بها ، ينحصر بالمعجز الذي يقيمه النبي شاهدا لدعواه ، ولما كانت نبوءات الأنبياء السابقين مختصة بأزمانهم وأجيالهم ، كان مقتضى الحكمة أن تكون معاجزهم مقصورة الأمد ، ومحدودة ، لأنها شواهد على نبوءات محدودة ، فكان البعض من أهل تلك الأزمنة يشاهد تلك المعجزات فتقوم عليه الحجة ، والبعض الآخر تنقل اليه أخبارها من المشاهدين على وجه التواتر ، فتقوم عليه الحجة أيضا.
أما الشريعة الخالدة ، فيجب أن تكون المعجزة التي تشهد بصدقها خالدة أيضا ، لأن المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الأمد لم يشاهدها البعيد ، وقد تنقطع أخبارها المتواترة ، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوة ، فإذا كلفه الله بالإيمان بها كان من التكليف بالممتنع ، والتكليف بالممتنع مستحيل على الله تعالى ، فلا بدّ للنبوة الدائمة المستمرة من معجزة دائمة. وهكذا أنزل الله القرآن معجزة خالدة ليكون برهانا على صدق الرسالة الخالدة ، وليكون حجة على الخلف كما كان حجة