على أن لفظ الغفران المذكور في الآية يدل على التمكن من الانتقام. ومن المقطوع به أن ذلك لم يكن ميسورا لعمر قبل الهجرة ، فلو أراد البطش بالمشرك لبطش به المشرك لا محالة.
والحق : أن الآية المباركة محكمة غير منسوخة ، وأن معنى الآية : ان الله أمر المؤمنين بالعفو والإغضاء عما ينالهم من الإيذاء والإهانة في شئونهم الخاصة ممن لا يرجون أيام الله ، ويدل عليه قوله تعالى بعد ذلك :
(لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ٤٥ : ١٤. مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ : ١٥).
فإن الظاهر منه أن جزاء المسيء الذي لا يرجو أيام الله ولا يخاف المعاد ، سواء أكان من المشركين ، أم من الكتابيين ، أم من المسلمين الذين لا يبالون بدينهم إما هو موكول إلى الله الذي لا يقوته ظلم الظالمين وتفريط المفرطين ، فلا ينبغي للمسلم المؤمن بالله أن يبادر إلى الانتقام منه ، فإن الله أعظم منه نقمة وأشد أخذا ، وهذا الحكم تهذيبي أخلاقي ، وهو لا ينافي الأمر بالقتال للدعوة إلى الإسلام أو لأمر آخر ، سواء أكان نزول هذه الآية قبل نزول آية السيف أم كان بعده.
٣٢ ـ (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) «٤٧ : ٤».
فذهبت جماعة إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف ، وذهب آخرون إلى أنها