بالجهاد ، وقد أسلفنا أن تشريع الأحكام الإسلامية كان على التدريج وهذا ليس من نسخ الحكم الثابت بالكتاب في شىء.
٢٩ ـ (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) «١٦ : ٦٧».
فعن قتادة ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وأبي رزين : أن هذه الآية منسوخة بتحريم الخمر (١).
والحق : ان الآية محكمة ، فإن القول بالنسخ فيها يتوقف على إثبات أمرين :
١ ـ أن يراد بلفظ «سكرا» الخمر والشراب المسكر ، والقائل بالنسخ لا يستطيع إثبات ذلك ، فإن أحد معانيه في اللغة الخل ، وبذلك فسره علي بن إبراهيم (٢) ، وعلى هذا المعنى يكون المراد بالرزق الحسن الطعام اللذيذ من الدبس وغيره.
٢ ـ أن تدل الآية على إباحة المسكر ، وهذا أيضا يستطيع القائل بالنسخ إثباته ، فإن الآية الكريمة في مقام الاخبار عن أمر خارجي ولا دلالة لها على إمضاء ما كان يفعله الناس ، وقد ذكرت الآية في سياق إثبات الصانع الحكيم بآياته الآفاقية ، فقال عز من قائل :
(وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ١٦ : ٦٥. وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ
__________________
(١) الناسخ والمنسوخ للنحاس : ص ١٨١.
(٢) تفسير البرهان : ١ / ٥٧٧.