فعن ابن زيد : أن هذه الآية منسوخة بالأمر بالجهاد ، والغلظة على الكفار (١) وبطلان هذا القول يظهر مما قدمناه في إبطال دعوى النسخ في الآية الاولى من الآيات التي نبحث عن نسخها ، فلا حاجة إلى الاعادة أضف إلى ذلك أنه لا دلالة على أن المراد من الصبر في هذه الآية هو الصبر على الكفار ، نعم الصبر عليهم يشمله إطلاق الآية ، وعليه فلا وجه لدعوى النسخ فيها.
٢٨ ـ (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) «١٥ : ٨٥».
فعن ابن عباس ، وسعيد ، وقتادة : أنها منسوخة بآية السيف (٢).
وغير خفي أن الصفح المأمور به في الآية المباركة هو الصفح عن الأذى الذي كان يصل من المشركين إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على تبليغه شريعة ربه ، ولا علاقة له بالقتال ، ويشهد لهذا قوله تعالى بعيد ذلك.
(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ١٥ : ٩٤. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ : ٩٥).
وحاصل الآية : ان الله سبحانه يحرّض النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على المصابرة في تبليغ أوامره ، ونشر أحكامه ، وأن لا يلتفت إلى أذى المشركين واستهزائهم ، ولا علاقة لذلك بحكم القتال الذي وجب بعد ما قويت شوكة الإسلام ، وظهرت حجته ، نعم إن النبي الأكرم لم يؤمر بالجهاد في بادئ الأمر ، لأنه لم يكن قادرا على ذلك حسب ما تقتضيه الظروف من غير طريق الإعجاز ، وخرق نواميس الطبيعة ، ولما أصبح قادرا على ذلك ، وكثر المسلمين ، وقويت شوكتهم ، وتمت عدّتهم وعدتهم أمر
__________________
(١) الناسخ والمنسوخ للنحاس : ص ١٧٨.
(٢) نفس المصدر : ص ١٨٠.