القاتل والمقتول ، بل كانت في مقام بيان المساواة في مقدار الاعتداء فقط ، على ما هو مفاد قوله تعالى :
(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) «٢ : ١٩٤».
كانت مهملة ولا ظهور لها في العموم لتكون ناسخة للآية الأولى ، وإن كانت في مقام البيان من هذه الناحية ـ وكانت ظاهرة في الإطلاق وظاهرة في ثبوت الحكم في هذه الأمة أيضا ، ولم تكن للأخبار عن ثبوت ذلك في التوراة فقط ـ كانت الآية الأولى مقيدة لإطلاقها ، وقرينة على بيان المراد منها ، فإن المطلق لا يصلح لأن يكون ناسخا للمقيد وإن كان متأخرا عنه ، بل يكون المقيد قرينة على التصرف في ظهور المطلق على ما هو الحال في المقيد المتأخر ، وعلى ذلك فلا موجب للقول بجواز قتل الحر بالعبد.
وأما الرواية التي رووها عن علي عليهالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «المسلمون تتكافأ دماؤهم» (١) فهي ـ على تقدير تسليمها ـ مخصصة بالآية ، فإن دلالة الرواية على جواز قتل الحر بالعبد إنما هي بالعموم.
ومن البين أن حجية العام موقوفة على عدم ورود المخصص عليه المتقدم منه والمتأخر. وأما ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بطريق الحسن ، عن سمرة فهو ضعيف السند ، وغير قابل للاعتماد عليه. قال أبو بكر بن العربي : «ولقد بلغت الجهالة بأقوام أن قالوا : يقتل الحر بعبد نفسه ورووا في ذلك حديثا عن الحسن ، عن سمرة قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : من قتل عبده قتلناه (٢) ، وهذا حديث ضعيف (٣)».
__________________
(١) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، رقم الحديث : ٢٣٧١. وسنن ابن ماجة : كتاب الديات ، رقم الحديث : ٢٦٧٣. عن ابن عباس.
(٢) سنن أبي داود : كتاب الديات ، رقم الحديث : ٣٩١٤ ، وسنن الترمذي : كتاب الديات ، رقم الحديث : ١٣٣٤. وسنن النسائي : كتاب القسامة ، رقم الحديث : ٤٦٥٥.
(٣) أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي : ١ / ٢٧.